للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ بَيَانٌ لِلْفَصْلِ بِأَنَّهُ الْفَصْلُ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ لِجَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُسِيئِينَ كُلِّهِمْ، فَلَا جَرَمَ جُمِعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ قَالَ تَعَالَى:

قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الْوَاقِعَة: ٤٩، ٥٠] .

وَالْمُخَاطَبُونَ بِضَمِيرِ جَمَعْناكُمْ: الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ سَبَقَ الْكَلَامُ لِتَهْدِيدِهِمْ وَهُمُ الْمُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ، لِأَنَّ عَطْفَ وَالْأَوَّلِينَ عَلَى الضَّمِيرِ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِجَمِيعِ

الْمُكَذِّبِينَ مِثْلَ الضَّمَائِرِ الَّتِي قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَذِّبِينَ فَلَا يُقَالُ لَهُمْ:

جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ.

وَالْمَعْنَى: جَمَعْنَاكُمْ وَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ.

وَقَدْ أُنْذِرُوا بِمَا حَلَّ بِالْأَوَّلِينَ أَمْثَالِهِمْ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ [المرسلات: ١٦] . فَأُرِيدَ تَوْقِيفُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى صِدْقِ مَا كَانُوا يُنْذَرُونَ بِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ مَصِيرِهِمْ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ أَمْثَالُهُمْ، فَلِذَلِكَ لَمْ يتَعَلَّق الْغَرَض يَوْمئِذٍ بِذِكْرِ الْأُمَمِ الَّتِي جَاءَتْ مِنْ بَعْدِهِمْ.

وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الضَّمِيرِ فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ فَكَانَ تَخَلُّصًا إِلَى تَوْبِيخِ الْحَاضِرِينَ عَلَى مَا يَكِيدُونَ بِهِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق: ١٥- ١٧] وَأَنَّ كَيْدَهُمْ زَائِلٌ وَأَنَّ سُوءَ الْعُقْبَى عَلَيْهِمْ.

وَفُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ، أَيْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ الْيَوْمَ كَمَا كَانَ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا، أَيْ كَيْدٌ بِدِينِي وَرَسُولِي فَافْعَلُوهُ.

وَالْأَمْرُ لِلتَّعْجِيزِ، وَالشَّرْطُ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّذْكِيرِ بِسُوءِ صَنِيعِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالْعَجْزِ عَنِ الْكَيْدِ يَوْمَئِذٍ حَيْثُ مُكِّنُوا مِنَ الْبَحْثِ عَمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مِنَ الْكَيْدِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِيعُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ سُجِّلَ عَلَيْهِمُ الْعَجْزُ. وَهَذَا مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يُعَذَّبُونَهُ إِذْ هُوَ مِنْ نَوْعِ الْعَذَابِ النَّفْسَانِيِّ وَهُوَ أَوْقَعُ عَلَى الْعَاقِلِ مِنَ الْعَذَاب الجسماني.

[٤٠]

[سُورَة المرسلات (٧٧) : آيَة ٤٠]

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠)

تَكْرِيرٌ لِلْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ كَاتِّصَالِ نَظِيرِهِ الْمَذْكُور آنِفا.