وَذِكْرُ فِي بُطُونِهِمْ عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مُجَرَّدُ تَخْيِيلٍ وَتَرْشِيحٍ لِاسْتِعَارَةِ يَأْكُلُونَ لِمَعْنَى يَأْخُذُونَ وَيَسْتَحْوِذُونَ.
وَالسِّينُ فِي سَيَصْلَوْنَ حَرْفُ تَنْفِيسٍ أَيِ اسْتِقْبَالٍ، أَيْ أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ فتمحّضه للاستقبال، سوءا كَانَ اسْتِقْبَالًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، وَهِيَ مُرَادِفَةُ سَوْفَ، وَقِيلَ: إِنَّ سَوْفَ أَوْسَعُ زَمَانًا. وَتُفِيدَانِ فِي مَقَامِ الْوَعْدِ تَحْقِيقَ الْوَعْدِ وَكَذَلِكَ التَّوَعُّدِ.
وَيَصْلَوْنَ مُضَارِعُ صَلِيَ كَرَضِيَ إِذَا قَاسَى حَرَّ النَّارِ بِشِدَّةٍ، كَمَا هُنَا، يُقَالُ: صَلِيَ بِالنَّارِ، وَيَكْثُرُ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ فِعْلِ صَلِيَ وَنُصِبَ الِاسْمُ بَعْدَهُ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:
لَا تَصْطَلِي النَّار إلّا يجمرا أَرِجًا ... قَدْ كسّرت من يلجوج لَهُ وَقَصَا
وَهُوَ الْوَارِدُ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ بِاطِّرَادٍ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَسَيَصْلَوْنَ- بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ- مُضَارِعُ صَلِيَ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ- بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ- مُضَارِعُ أَصْلَاهُ إِذَا أَحْرَقَهُ وَمَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ.
وَالسَّعِيرُ النَّارُ الْمُسَعَّرَةُ أَيِ الْمُلْتَهِبَةُ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ، بُنِيَ بِصِيغَةِ الْمُجَرَّدِ، وَهُوَ مِنَ الْمُضَاعَفِ، كَمَا بُنِيَ السَّمِيعُ مِنْ أَسْمَعَ، وَالْحَكِيمُ مِنْ أَحْكَمَ.
[١١]
[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ١١]
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١)
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ.
تَتَنَزَّلُ آيَةُ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ وَالتَّفْصِيلِ لِقَوْلِهِ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ [النِّسَاء: ٧] وَهَذَا الْمَقْصِدُ الَّذِي جَعَلَ قَوْلَهُ: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ [النِّسَاء: ٧] إِلَخْ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَدِّمَةِ لَهُ فَلِذَلِكَ كَانَتْ جُمْلَةُ: يُوصِيكُمُ مَفْصُولَةً لِأَنَّ كِلَا الْمَوْقِعَيْنِ مُقْتَضٍ لِلْفَصْلِ.