التَّعْرِيفُ بِاللَّامِ مِنْ كَوْنِهِمْ عَهِدُوا بِالنِّفَاقِ وَطَرَيَانِهِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، فَفِيهِ تَعْرِيفٌ بِسُوءِ عَاقِبَتِهِمْ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّفَنُّنِ ورعاية الفاصلة.
[١٢]
[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ١٢]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢)
هَذَا غَرَضٌ آخَرُ مِنْ أَغْرَاضِ مُخَالَطَةِ الْمُشْرِكِينَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مُحَاوَلَةُ الْمُشْرِكِينَ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِينَ بِمُحَاوَلَاتِ فِتْنَةٍ بِالشَّكِّ وَالْمُغَالَطَةِ لِلَّذِينَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى فِتْنَتِهِمْ بِالْأَذَى وَالْعَذَابِ: إِمَّا لِعِزَّتِهِمْ وَخَشْيَةِ بَأْسِهِمْ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قِيلَتْ لَهُ، وَإِمَّا لِكَثْرَتِهِمْ حِينَ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَأَعْيَتِ الْمُشْرِكِينَ حِيَلُ الصَّدِّ عَنِ الْإِسْلَامِ.
وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ كَفَرُوا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَهُمْ: أَبُو جَهْلٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ (قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ) قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا
نُبْعَثُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ فَإِنْ عَسَى كَانَ ذَلِكَ فَإِنَّا نَحْمِلُ عَنْكُمْ آثَامَكُمْ. وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ جَهْلًا وَغُرُورًا حَاوَلُوا بِهِمَا أَنْ يَحِجُّوا الْمُسْلِمِينَ فِي إِيمَانِهِمْ بِالْبَعْثِ تَوَهُّمًا مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ كَانَ الْبَعْثُ وَاقِعًا فَسَيَكُونُونَ فِي الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا أَهْلَ ذِمَامٍ وَحَمَالَةٍ وَنَقْضٍ وَإِبْرَامٍ شَأْنَ سَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ إِذَا شَفَعُوا شُفِّعُوا وَإِنْ تَحَمَّلُوا حُمِّلُوا.
وَهَذَا كَقَوْلِ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: لَئِنْ بَعَثَنِي اللَّهُ لِيَكُونَنَّ لِي مَالٌ فَأَقْضِيَكَ دَيْنَكَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً [مَرْيَم: ٧٧] . وَكُلُّ هَذَا مِنَ الْجِدَالِ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ طَرِيقَةٌ جَدَلِيَّةٌ إِنْ بُنِيَتْ عَلَى الْحَقِّ كَمَا يُنْسَبُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي ضِدِّ هَذَا:
زَعَمَ الْمُنَجِّمُ وَالطَّبِيبُ كِلَاهُمَا ... لَا تُحْشَرُ الْأَجْسَادُ قُلْتُ إِلَيْكُمَا
إِنْ صَحَّ قَوْلُكُمَا فَلَسْتُ بِخَاسِرٍ ... أَوْ صَحَّ قَوْلِي فَالْخَسَارُ عَلَيْكُمَا
وَحَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلَهُمْ وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِلَامِ الْأَمْرِ: إِمَّا لِأَنَّهُمْ نَطَقُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ لِبَلَاغَتِهِمْ، وَإِمَّا لِإِفَادَةِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مَقَالَتُهُمْ مِنْ تَأْكِيدِ تَحَمُّلِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute