وَتَشْمَلُ عَاقِبَةَ الْخَيْرِ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ مَا يُلَاحِظُهُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَالْمُتَّقُونَ: الْمُؤْمِنُونَ الْعَامِلُونَ.
وَجِيءَ فِي جُمْلَتَيْ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بِلَفْظَيْنِ عَامَّيْنِ، وَهُمَا: مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْمُتَّقِينَ، لِتَكُونَ الْجُمْلَتَانِ تَذْيِيلًا لِلْكَلَامِ وَلِيَحْرِصَ السَّامِعُونَ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ.
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أَنَّ مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ أَنْ يُورِثَهُمُ الْأَرْضَ هُمُ الْمُتَّقُونَ إِذَا كَانَ فِي النَّاسِ مُتَّقُونَ وَغَيْرُهُمْ، وَأَنَّ تَمْلِيكَ الْأَرْضِ لِغَيْرِهِمْ إِمَّا عَارِضٌ وَإِمَّا لِاسْتِوَاءِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي عدم التَّقْوَى.
[١٢٩]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٢٩]
قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)
قالُوا حِكَايَةُ جَوَابِ قَوْمِ مُوسَى إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ جُمْلَةُ الْقَوْلِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَةِ، وَهَذَا الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الشكاية واستئثارهم مُوسَى لِيَدْعُوَ رَبَّهُ أَنْ يُفَرِّجَ كَرْبَهُمْ.
وَالْإِيذَاءُ: الْإِصَابَةُ بِالْأَذَى، وَالْأَذَى مَا يُؤْلِمُ وَيُحْزِنُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١١١] ، وَقَوْلِهِ: فَصَبَرُوا عَلى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٣٤] ، وَهُوَ يَكُونُ ضَعِيفًا وَقَوِيًّا، وَمُرَادُهُمْ هُنَا الْقَوِيُّ مِنْهُ، وَهُوَ مَا لَحِقَهُمْ مِنَ الِاسْتِعْبَادِ وَتَكْلِيفِهِمُ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ عَلَيْهِمْ فِي خِدْمَةِ فِرْعَوْنَ وَمَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ فِرْعَوْنُ بَعْدَ بَعْثَةِ مُوسَى مِنَ الْقَطْعِ وَالصَّلْبِ وَقَتْلِ الْأَبْنَاءِ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّعْرِيضَ بِنَفَادِ صَبْرِهِمْ وَأَنَّ الْأَذَى الَّذِي مَسَّهُمْ بَعْدَ بَعْثَةِ مُوسَى لَمْ يَكُنْ بِدَايَةَ الْأَذَى، بَلْ جَاءَ بَعْدَ طُولِ مُدَّةٍ فِي الْأَذَى، فَلِذَلِكَ جَمَعُوا فِي كَلَامِهِمْ مَا لَحِقَهُمْ قَبْلَ بَعْثَةِ مُوسَى.
وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذَا امْتِعَاضٌ مِنْهُمْ مِمَّا لَحِقَهُمْ بِسَبَبِ مُوسَى وَبِوَاسِطَتِهِ
مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ قَتْلَ الذُّكُورِ مِنْهُمْ كَانَ قَبْلَ مَجِيءِ مُوسَى بِسَبَبِ تَوَقُّعِ وِلَادَةِ مُوسَى، وَكَانَ الْوَعِيدُ بِمِثْلِهِ بَعْدَ مَجِيئِهِ بِسَبَبِ دَعْوَتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُتَّجِهٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُرَادَ لَمَا كَانَ لِلتَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا مَوْقِعٌ، وَالْإِتْيَانُ وَالْمَجِيءُ مُتَرَادِفَانِ، فَذِكْرُ الْمَجِيءِ بَعْدَ الْإِتْيَانِ لَيْسَ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى، وَلَكِنَّهُ لِلتَّفَنُّنِ وَكَرَاهِيَةِ إِعَادَةِ اللَّفْظِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute