للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ» . وَأَبْطَلَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَيْضًا، وَجَعَلَ ابْنُ هِشَامٍ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» تِلْكَ الْقَاعِدَةَ خَطَأً.

وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي تَقْرِيرِ مَعْنَى

قَوْلِهِ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ»

أَنَّ جُمْلَةَ: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً تَأْكِيدٌ لِجُمْلَةِ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَأْكِيدِ الْجُمْلَةِ فِي مِثْلِهِ هُوَ تَأْكِيدُ الْحُكْمِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ هُوَ ثُبُوتُ الْتِحَاقِ الْيُسْرِ بِالْعُسْرِ عِنْدَ حُصُولِهِ، فَكَانَ التَّأْكِيدُ مُفِيدًا تَرْجِيحَ أَثَرِ الْيُسْرِ عَلَى أَثَرِ الْعُسْرِ، وَذَلِكَ التَّرْجِيحُ عُبِّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ: «يُسْرَيْنِ» ، فَالتَّثْنِيَةُ هُنَا كِنَايَةٌ رَمْزِيَّةٌ عَنِ التَّغَلُّبِ وَالرُّجْحَانِ فَإِنَّ التَّثْنِيَةَ قَدْ يُكَنَّى بِهَا عَنِ التَّكْرِيرِ الْمُرَادِ مِنْهُ التَّكْثِيرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ [الْملك: ٤] أَيِ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَثِيرًا لِأَنَّ الْبَصَرَ لَا يَنْقَلِبُ حَسِيرًا مِنْ رَجْعَتَيْنِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ: لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَدَوَالَيْكَ» وَالتَّكْرِيرُ يَسْتَلْزِمُ قُوَّةَ الشَّيْءِ الْمُكَرَّرِ فَكَانَتِ الْقُوَّةُ لَازِمَ لَازِمِ التَّثْنِيَةِ وَإِذَا تَعَدَّدَتِ اللَّوَازِمُ كَانَتِ الْكِنَايَةُ رَمْزِيَّةً.

وَلَيْسَ ذَلِكَ مُسْتَفَادًا مِنْ تَعْرِيفِ الْعُسْرِ بِاللَّامِ وَلَا مِنْ تَنْكِيرِ «الْيُسْرِ» وإعادته مُنْكرا.

[٧]

[سُورَة الشَّرْح (٩٤) : آيَة ٧]

فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧)

تَفْرِيعٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنَ التَّذْكِيرِ بِاللُّطْفِ وَالْعِنَايَةِ وَوَعْدِهِ وبتيسير مَا هُوَ عَسِيرٌ عَلَيْهِ فِي طَاعَتِهِ الَّتِي أَعْظَمُهَا تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ دُونَ مَلَلٍ وَلَا ضَجَرٍ.

وَالْفَرَاغُ: خُلُوُّ بَاطِنِ الظَّرْفِ أَوِ الْإِنَاءِ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ يُظْرَفَ فِيهِ.

وَفِعْلُ فَرَغَ يُفِيدُ أَنَّ فَاعِلَهُ كَانَ مَمْلُوءًا بِشَيْءٍ، وَفَرَاغُ الْإِنْسَانِ. مَجَازٌ فِي إِتْمَامِهِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَعْمَلَهُ.

وَلَمْ يُذْكَرْ هُنَا مُتَعَلَّقُ فَرَغْتَ وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَازم أَعمال يعلمهَا

الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَنَّ مَسَاقَ السُّورَةِ فِي تَيْسِيرِ مَصَاعِبِ الدَّعْوَةِ وَمَا يَحُفُّ بِهَا. فَالْمَعْنَى إِذَا أَتْمَمْتَ عَمَلًا مِنْ مَهَامِّ الْأَعْمَالِ فَأَقْبِلْ عَلَى عَمَلٍ آخَرَ بِحَيْثُ يَعْمُرُ أَوْقَاتَهُ