للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٢٦]

قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦)

إِعَادَةُ فِعْلِ قُلْ لِمَا عَرَفْتَ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ زِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهَذِهِ الْمُحَاجَّاتِ لِتَكُونَ كُلُّ مُجَادَلَةٍ مُسْتَقِلَّةً غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا.

وَأَيْضًا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيَانِ لِلَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ نَفْيَ سُؤَالِ كُلِّ فَرِيقٍ عَنْ عَمَلِ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّ هُنَالِكَ سُؤَالًا عَنْ عَمَلِ نَفْسِهِ فَبَيَّنَ بِأَنَّ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْحَقِّ حِينَ يَجْمَعُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي هُمْ مُنْكِرُوهُ فَمَا ظَنُّكَ بِحَالِهِمْ يَوْمَ تَحَقُّقِ مَا أَنْكَرُوهُ.

وَهُنَا تَدَرَّجَ الْجَدَلُ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى الْإِشَارَةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ التَّصْرِيحِ لِمَا فِي إِثْبَاتِ يَوْمِ الْحِسَابِ وَالسُّؤَالِ مِنَ الْمُصَارَحَةِ بِأَنَّهُمُ الضَّالُّونَ. وَيُسَمَّى هَذَا التَّدَرُّجُ عِنْدَ أَهْلِ الْجَدَلِ بِالتَّرَقِّي.

وَالْفَتْحُ: الْحُكْمُ وَالْفَصْلُ بِالْحَقِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ [الْأَعْرَاف: ٨٩] وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ فَتْحِ الْكُوَّةِ لِإِظْهَارِ مَا خَلْفَهَا.

وَجُمْلَةُ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ تَذْيِيلٌ بِوَصْفِهِ تَعَالَى بِكَثْرَةِ الْحُكْمِ وَقُوَّتِهِ وَإِحَاطَةِ الْعِلْمِ، وَبِذَلِكَ كَانَ تَذْيِيلًا لِجُمْلَةِ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ الْمُتَضَمِّنَةِ حُكْمًا جُزْئِيًّا فَذَيَّلَ بِوَصْفٍ كُلِّيٍّ. وَإِنَّمَا أَتْبَعَ الْفَتَّاحُ بِ الْعَلِيمُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ عَدْلٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ عَلِيمٌ لَا تَحُفُّ بِحُكْمِهِ أَسْبَابُ الْخَطَأ والجور الناشئة عَنِ الْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَاتِّبَاعِ الضَّعْفِ النَّفْسَانِيِّ النَّاشِئِ عَنِ الْجَهْلِ بالأحوال والعواقب.