للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَكَأَنَّهُمُ انْفَرَدُوا بِالْخُسْرَانِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِمُ الْمُرَكَّبُ الْمُفِيدُ قَصْرَ الْخُسْرَانِ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الشَّقَاوَةُ الْعُظْمَى الْأَبَدِيَّةُ. وَاسْتُعِيرَ الْخُسْرَانُ لِانْعِكَاسِ الْمَأْمُولِ مِنَ الْعَمَلِ الْمُكِدِّ تَشْبِيهًا بِحَالِ مَنْ كَدَّ فِي التِّجَارَةِ لِيَنَالَ مَالًا فَأَفْنَى رَأْسَ مَالِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [الْبَقَرَة: ١٦] .

[٥٣- ٥٥]

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : الْآيَات ٥٣ إِلَى ٥٥]

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ [العنكبوت: ٥٠] اسْتِقْصَاءً فِي الرَّدِّ عَلَى شُبُهَاتِهِمْ وَإِبْطَالًا لِتَعِلَّاتِ إِعْرَاضِهِمُ النَّاشِئِ عَنِ الْمُكَابَرَةِ، وَهُمْ يُخَيِّلُونَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا أَعْرَضُوا لِعَدَمِ اقْتِنَاعِهِمْ بِآيَةِ صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومناسبة وُقُوعه هَذَا أَنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ كُفْرُهُمْ بِاللَّهِ وَكَانَ النَّبِيءُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُنْذِرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِالْعَذَابِ وَكَانُوا يَسْتَعْجِلُونَهُ بِهِ ذَكَرَ تَوَرُّكَهُمْ عَلَيْهِ عَقِبَ ذِكْرِ الْكُفْرِ. وَاسْتِعْجَالُ الْعَذَابِ: طَلَبُ تَعْجِيلِهِ وَهُوَ الْعَذَابُ الَّذِي تُوُعِّدُوا بِهِ. وَقَصْدُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِخْفَافُ بِالْوَعِيدِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَرْكِيبِ: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ فِي سُورَةِ [يُونُسَ: ١١] ، وَقَوْلِهِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ

قَبْلَ الْحَسَنَةِ

فِي سُورَةِ [الرَّعْدِ: ٦] . وَالتَّعْرِيفُ فِي (الْعَذَابِ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ. وَحُكِيَ اسْتِعْجَالُهُمِ الْعَذَابَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ حَالِ اسْتِعْجَالِهِمْ لِإِفَادَةِ التَّعْجِيبِ مِنْهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود: ٧٤] .

وَقَدْ أَبْطَلَ مَا قَصَدُوهُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَذَلِكَ أَنَّ حُلُولَ الْعَذَابِ لَيْسَ بِيَدِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَا جَارِيًا عَلَى طَلَبِهِمْ وَاسْتِبْطَائِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُقَدِّرُ لِوَقْتِ حُلُولِهِ بِهِمْ فِي أَجَلٍ قَدَّرَهُ بِعِلْمِهِ.