للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٤٤] ، وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى قَائِلٍ. وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ رِوَايَةٍ عَنْ مُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَعْنَى نَنْقُصُهَا بِفَتْحِ الْبُلْدَانِ، أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الرُّؤْيَةِ فِي الْآيَةِ الرُّؤْيَةُ الْبَصَرِيَّةُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَرْضِ أَرْضُ الْحِجَازِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النَّقْصِ نَقْصُ سُلْطَانِ الشِّرْكِ مِنْهَا. وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْمُتَعَيَّنِ وَلَا بِالرَّاجِحِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي نَظِيرِهَا مِنْ سُورَةِ الرَّعْدِ الَّتِي هِيَ أَيْضًا مَكِّيَّةٌ فَالْأَرْجَحُ أَنَّ سُورَةَ الْأَنْبِيَاءِ مَكِّيَّةٌ كُلَّهَا.

وَهِيَ السُّورَةُ الْحَادِيَةُ وَالسَّبْعُونَ فِي تَرْتِيبِ النُّزُولِ نَزَلَتْ بَعْدَ حم السَّجْدَةِ وَقَبْلَ سُورَةِ النَّحْلِ، فَتَكُونُ مِنْ أَوَاخِرِ السُّوَرِ النَّازِلَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. وَلَعَلَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ إِسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٣] ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، غَيْرَ أَنَّ مَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَق عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ [٥٧] وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، أَنَّ الْمُرَادَ بِضَرْبِ الْمَثَلِ هُوَ الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ ابْنُ الزِّبَعْرَى لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاء: ٩٨] كَمَا يَأْتِي يَقْتَضِي أَنَّ سُورَةَ الْأَنْبِيَاءِ نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الزُّخْرُفِ. وَقَدْ عُدَّتِ الزُّخْرُفُ ثَانِيَةً وَسِتِّينَ فِي النُّزُولِ.

وَعَدَدُ آيِهَا فِي عَدِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ مِائَةٌ وَإِحْدَى عشرَة وَفِي عَدِّ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِائَةٌ واثنتا عشرَة.

أغراض السُّورَة:

وَالْأَغْرَاضُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي هَذِه السُّورَة هِيَ:

- الْإِنْذَارُ بِالْبَعْثِ، وَتَحْقِيقُ وُقُوعِهِ وَإِنَّهُ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَانَ قَرِيبًا.

- وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَنْ عَدَمٍ وَخَلْقِ الموجودات من المَاء.