للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : الْآيَات ٨ إِلَى ١١]

فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يَا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١)

أُنِّثَ ضَمِيرُ جاءَها جَرْيًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَةِ النُّورِ نَارًا بِحَسَبِ مَا لَاحَ لِمُوسَى. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي سُورَةِ طَهَ، فَبِنَا أَنْ نَتَعَرَّضَ هُنَا لِمَا انْفَرَدَتْ بِهِ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ وَالتَّرَاكِيبِ، فَقَوْلُهُ: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها هُوَ بَعْضُ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ فِي طَهَ [١٢] : فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً لِأَنَّ مَعْنَى بُورِكَ قُدِّسَ وَزُكِّيَ.

وَفِعْلُ (بَارَكَ) يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا، يُقَالُ: بَارَكَكَ اللَّهُ، أَيْ جَعَلَ لَكَ بَرَكَةً وَتَقَدَّمَ بَيَانُ

مَعْنَى الْبَرَكَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً فِي آلِ عِمْرَانَ [٩٦] ، وَقَوْلُهُ وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ فِي سُورَةِ هُودٍ [٤٨] . وَ (أَنْ) تَفْسِيرِيَّةٌ لِفِعْلِ نُودِيَ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ، أَيْ نُودِيَ بِهَذَا الْكَلَامِ.

ومَنْ فِي النَّارِ مُرَادٌ بِهِ مُوسَى فَإِنَّهُ لَمَّا حَلَّ فِي مَوْضِعِ النُّورِ صَارَ مُحِيطًا بِهِ فَتِلْكَ الْإِحَاطَةُ تُشْبِهُ إِحَاطَةَ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِ مَنْ فِي النَّارِ وَهُوَ نَفْسُهُ.

وَالْعُدُولُ عَنْ ذِكْرِهِ بِضَمِيرِ الْخِطَابِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، أَوْ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ إِنْ أُرِيدَ الْعُدُولُ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّ فِي مَعْنَى صِلَةِ الْمَوْصُولِ إِينَاسًا لَهُ وَتَلَطُّفًا

كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ «قُمْ أَبَا تُرَابٍ»

وَكَثِيرٌ التَّلَطُّفُ بِذِكْرِ بَعْضِ مَا الْتَبَسَ بِهِ الْمُتَلَطَّفُ بِهِ مِنْ أَحْوَالِهِ. وَهَذَا الْكَلَامُ خَبَرٌ هُوَ بِشَارَةٌ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِبَرَكَةِ النُّبُوءَةِ.

وَمَنْ حَوْلَ النَّارِ: هُوَ جِبْرِيلُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِ بِمَا نُودِيَ بِهِ وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ وُكِّلَ إِلَيْهِمْ إِنَارَةُ الْمَكَانِ وَتَقْدِيسِهِ إِنْ كَانَ النِّدَاءُ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ جِبْرِيلَ بَلْ كَانَ مِنْ لَدُنْ