للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَضَمِيرُ أَكْثَرُهُمْ لِلَّذِينِ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ، أَيْ لَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْقَائِلِينَ ذَلِكَ لَا يعلمُونَ، أَي لَا يَفْهَمُونَ وَضْعَ الْكَلَامِ مَوَاضِعَهُ وَحَمْلَهُ مَحَامِلَهُ.

وَفُهِمَ مِنَ الْحُكْمِ عَلَى أَكْثَرِهِمْ بِعَدَمِ الْعِلْمِ أَنَّ قَلِيلًا مِنْهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ افْتِرَاءً وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ تَلْبِيسًا وَبُهْتَانًا وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ التَّنْزِيلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُنَافِي إِبْطَالَ بَعْضِ الْأَحْكَامِ إِذَا اخْتَلَفَتِ الْمَصَالِحُ أَوْ رُوعِيَ الرِّفْقُ.

وَيَجُوزُ حَمْلُ لَفْظِ أَكْثَرُ عَلَى إِرَادَةِ جَمِيعِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي هَذِه السُّورَة.

[١٠٢]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١٠٢]

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢)

جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ [سُورَة النَّحْل: ١٠١] فَلِذَلِكَ فُصِلَ فِعْلُ قُلْ لِوُقُوعِهِ فِي الْمُحَاوَرَةِ، أَيْ قُلْ لَهُمْ: لَسْتَ بِمُفْتَرٍ وَلَا الْقُرْآنُ بِافْتِرَاءٍ بَلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنَ اللَّهِ. وَفِي أَمْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُم ذَلِك شدّ لِعَزْمِهِ لكيلا يكون تجاوزه الْحَدَّ فِي الْبُهْتَانِ صَارِفًا إِيَّاهُ عَنْ مُحَاوَرَتِهِمْ.

فَبَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ اللَّهُ دَعْوَاهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُفْتَرٍ بِطَرِيقَةِ النَّقْضِ أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَاهِيَّةَ الْقُرْآنِ. وَهَذِهِ نُكْتَةُ الِالْتِفَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ رَبِّكَ الْجَارِي عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى ظَاهِرِ حِكَايَةِ الْمَقُولِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يَقُولَهُ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ: مِنْ رَبِّي، فَوَقَعَ الِالْتِفَاتُ إِلَى الْخطاب تأنيسا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزِيَادَةِ تَوَغُّلِ الْكَلَامِ مَعَهُ فِي طَرِيقَةِ الْخِطَابِ.

وَاخْتِيرَ اسْمُ الرَّبِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِنَايَةِ وَالتَّدْبِيرِ.

ورُوحُ الْقُدُسِ: جِبْرِيلُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٨٧] . وَالرُّوحُ: الْمَلَكُ، قَالَ تَعَالَى: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا

[سُورَة مَرْيَم: ١٧] ، أَيْ مَلَكًا منْ مَلَائِكَتِنَا.