والْقُدُسِ: الطُّهْرُ. وَهُوَ هَنَا مُرَاد بِهِ معنياه الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ الَّذِي هُوَ الْفَضْلُ وَجَلَالَةُ الْقَدْرِ.
وَإِضَافَةُ الرُّوحِ إِلَى الْقُدْسِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، كَقَوْلِهِمْ: حَاتِمُ الْجُودِ، وَزَيْدُ الْخَيْرِ. وَالْمُرَادُ: حَاتِمٌ الْجَوَادُ، وَزَيْدٌ الْخَيِّرُ. فَالْمَعْنَى: الْمَلَكُ الْمُقَدَّسُ.
وَالْبَاءُ فِي بِالْحَقِّ لِلْمُلَابَسَةِ، وَهِيَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ
الْمَنْصُوبِ فِي نَزَّلَهُ مِثْلُ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ: ٢٠] ، أَيْ مُلَابِسًا لِلْحَقِّ لَا شَائِبَةَ لِلْبَاطِلِ فِيهِ.
وَذُكِرَتْ عِلَّةٌ مِنْ عِلَلِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، أَيْ تَبْدِيلُ آيَةٍ مَكَانَ آيَةٍ، بِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَثْبِيتًا لِلَّذِينِ آمَنُوا إِذْ يَفْهَمُونَ مَحْمَلَ كل آيَة ويهدون بِذَلِكَ وَتَكُونُ آيَاتُ الْبُشْرَى بِشَارَةً لَهُمْ وَآيَاتُ الْإِنْذَارِ مَحْمُولَةً عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ.
فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ إِبْطَالٌ لِقَوْلِهِمْ: إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ [سُورَة النَّحْل: ١٠١] ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى بِالْحَقِّ إِيقَاظٌ لِلنَّاسِ بِأَنْ يَنْظُرُوا فِي حِكْمَةِ اخْتِلَافِ أَغْرَاضِهِ وَأَنَّهَا حَقٌّ.
وَفِي التَّعْلِيلِ بِحِكْمَةِ التَّثْبِيتِ وَالْهُدَى وَالْبُشْرَى بَيَانٌ لِرُسُوخِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَدَادِ آرَائِهِمْ فِي فَهْمِ الْكَلَامِ السَّامِي، وَأَنَّهُ تَثْبِيتٌ لِقُلُوبِهِمْ بِصِحَّةِ الْيَقِينِ وَهُدًى وَبُشْرَى لَهُمْ.
وَفِي تَعَلُّقِ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ بِفِعْلِ التَّثْبِيتِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ حُصُولِ ذَلِكَ لَهُمْ بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ، فَيُفِيدُ تَعْرِيضًا بِأَنَّ غير الْمُؤمنِينَ تقصر مَدَارِكُهُمْ عَنْ إِدْرَاكِ ذَلِكَ الْحَقِّ فَيَخْتَلِطُ عَلَيْهِمُ الْفَهْمُ وَيَزْدَادُونَ كُفْرًا وَيَضِلُّونَ وَيَكُونُ نِذَارَةً لَهُمْ.
وَالْمُرَادُ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: وَهُدًى وَبُشْرَى لَهُمْ، فَعَدَلَ إِلَى الْإِظْهَارِ لِزِيَادَةِ مَدْحِهِمْ بِوَصْفٍ آخَرَ شَرِيفٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُدىً وَبُشْرى عَطْفٌ عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مِنْ قَوْلِهِ: لِيُثَبِّتَ، فَيَكُونُ هُدىً وَبُشْرى مَصْدَرَيْنِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ