للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة النَّجْم (٥٣) : الْآيَات ٢٤ إِلَى ٢٥]

أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥)

إضراب انتقالي ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النَّجْم: ٢٣] .

وَالِاسْتِفْهَامُ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ أَمْ إِنْكَارِيٌّ قُصِدَ بِهِ إِبْطَالُ نَوَالِ الْإِنْسَانِ مَا يَتَّمْنَاهُ وَأَنْ يَجْعَلَ مَا يَتَمَنَّاهُ بَاعِثًا عَنْ أَعْمَالِهِ وَمُعْتَقَدَاتِهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَلَّبَ الْحَقَّ مِنْ دَلَائِلِهِ وَعَلَامَاتِهِ وَإِنْ خَالَفَ مَا يَتَمَنَّاهُ. وَهَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى [النَّجْم: ٢٣] .

وَهَذَا تَأْدِيبٌ وَتَرْوِيضٌ لِلنِّفُوسِ عَلَى تَحَمُّلِ مَا يُخَالِفُ أَهْوَاءَهَا إِذَا كَانَ الْحَقُّ مُخَالِفًا لِلْهَوَى وَلْيَحْمِلْ نَفْسَهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَتَخَلَّقَ بِهِ.

وَتَعْرِيفُ الْإِنْسَانِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَوُقُوعُهُ فِي حَيِّزِ الْإِنْكَارِ الْمُسَاوِي لِلنَّفْيِ جَعَلَهُ عَامًّا فِي كُلِّ إِنْسَانٍ.

وَالْمَوْصُولُ فِي مَا تَمَنَّى بِمَنْزِلَةِ الْمُعَرَّفِ بلام الْجِنْس فوقوعه فِي حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، أَيْ مَا لِلْإِنْسَانِ شَيْءٌ مِمَّا تَمَنَّى، أَي لَيْسَ شَيْء جَارِيًا عَلَى إِرَادَتِهِ بَلْ عَلَى إِرَادَةِ اللَّهِ وَقَدْ شَمِلَ ذَلِكَ كُلَّ هَوًى دَعَاهُمْ إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ

كَلَامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَلَ تَمَنِّيَهُمْ شَفَاعَةَ الْأَصْنَامِ وَهُوَ الْأَهَمُّ مِنْ أَحْوَالِ الْأَصْنَامِ عِنْدَهُمْ وَذَلِكَ مَا يُؤذن بِهِ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً [النَّجْم: ٢٦] الْآيَةَ. وَتَمَنِّيَهُمْ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مَلَكًا وَغَيْرَ ذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] ، وَقَوْلِهِمُ: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يُونُس: ١٥] .

وَفُرِّعَ عَلَى الْإِنْكَارِ أَنَّ اللَّهَ مَالِكُ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، أَيْ فَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِي أَحْوَالِ أَهْلِهِمَا بِحَسْبِ إِرَادَتِهِ لَا بِحَسْبِ تَمَنِّي الْإِنْسَانِ. وَهَذَا إِبْطَالٌ لِمُعْتَقَدَاتِ الْمُشْرِكِينَ الَّتِي مِنْهَا يَقِينُهُمْ بِشَفَاعَةِ أَصْنَامِهِمْ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى، لِأَنَّ مَحَطَّ الْإِنْكَارِ هُوَ أُمْنِيَتُهُمْ أَنْ تَجْرِيَ الْأُمُورُ عَلَى حَسَبِ أَهْوَائِهِمْ فَلِذَلِكَ كَانُوا يُعْرِضُونَ عَنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ أَهْوَاءَهُمْ. فَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ هُنَا لِإِفَادَةِ الْقَصْرِ وَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ، أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ