وَالْقِرَاءَةُ: مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْرِفَةِ مَا أُثْبِتَ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْأَعْمَالِ أَوْ فِي فَهْمِ النُّقُوشِ الْمَخْصُوصَةِ إِنْ كَانَتْ هُنَالِكَ نُقُوشٌ وَهِيَ خَوَارِقُ عَادَاتٍ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِنَفْسِكَ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ دَاخِلَةٌ عَلَى فَاعِلِ كَفى كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٧٩] .
وَانْتَصَبَ حَسِيباً عَلَى التَّمْيِيزِ لِنِسْبَةِ الْكِفَايَةِ إِلَى النَّفْسِ، أَيْ مِنْ جِهَةِ حَسِيبٍ.
وَالْحَسِيبُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِثْلُ ضَرِيبِ الْقِدَاحِ بِمَعْنَى ضَارِبِهَا، وَصَرِيمٍ بِمَعْنَى صَارِمٍ، أَيِ الْحَاسِبُ وَالضَّابِطُ. وَكَثُرَ وُرُودُ التَّمْيِيزِ بَعْدَ (كَفَى بِكَذَا) .
وَعُدِّيَ بِ (عَلَى) لِتَضْمِينِهِ معنى الشَّهِيد. وَمَا صدق النَّفْسِ هُوَ الْإِنْسَانُ فِي قَوْلِهِ:
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فَلِذَلِكَ جَاءَ حَسِيباً بِصِيغَةِ التَّذْكِيرِ.
[١٥]
[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ١٥]
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥)
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ أَوْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ مَعَ تَوَابِعِهَا. وَفِيهِ تَبْيِينُ اخْتِلَافِ الطَّائِرِ بَيْنَ نَافِعٍ وَضَارٍّ، فَطَائِرُ الْهِدَايَةِ نَفْعٌ لِصَاحِبِهِ وَطَائِرُ
الضَّلَالِ ضُرٌّ لِصَاحِبِهِ. وَلِكَوْنِ الْجُمْلَةِ كَذَلِكَ فُصِلَتْ وَلَمْ تُعْطَفْ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا.
وَجُمْلَةُ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لِمَا فِي هَذِهِ مِنْ عُمُومِ الْحُكْمِ فَإِنَّ عَمَلَ أَحَدٍ لَا يَلْحَقُ نَفْعُهُ وَلَا ضُرُّهُ بِغَيْرِهِ.
وَلَمَّا كَانَ مَضْمُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعْنًى مُهِمًّا اعْتُبِرَ إِفَادَةً أَنَفًا لِلسَّامِعِ، فَلِذَلِكَ عُطِفَتِ الْجُمْلَةُ وَلَمْ تُفْصَلْ. وَقَدْ رُوعِيَ فِيهَا إِبْطَالُ أَوْهَامِ قَوْمٍ يَظُنُّونَ