أَغْرَاضُهَا
ذَمُّ خِصَالٍ تُفْضِي بِأَصْحَابِهَا إِلَى الْخُسْرَانِ فِي الْآخِرَةِ، وَهِي خِصَال غَالِيَة عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَيُرَادُ تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا.
وَوَعْظُ النَّاسِ بِأَنَّ وَرَاءَهُمْ حِسَابًا عَلَى أَعْمَالِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ لِيَتَذَكَّرَهُ الْمُؤْمِنُ وَيُهَدَّدَ بِهِ الْجَاحِدُ. وَأُكِّدَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِأَنِ افْتُتِحَ بِالْقَسَمِ، وَأُدْمِجَ فِي الْقَسَمِ التَّنْوِيهُ بِخَيْلِ الْغُزَاةِ أَوْ رواحل الحجيج.
[١- ٨]
[سُورَة العاديات (١٠٠) : الْآيَات ١ إِلَى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)
أَقْسَمَ اللَّهُ بِ الْعادِياتِ جَمْعِ الْعَادِيَةِ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْعَدْوِ وَهُوَ السَّيْرُ السَّرِيعُ يُطْلَقُ عَلَى سَيْرِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ خَاصَّةً.
وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ سَيْرُ الْإِنْسَانِ وَأَحْسَبُ أَنَّهُ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْخَيْلِ وَمِنْه عدّاؤو الْعَرَبِ، وَهُمْ أَرْبَعَةٌ: السُّلَيْكُ بْنُ السُّلَكَةِ، وَالشَّنْفَرَى، وَتَأَبَّطَ شَرًّا، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ.
يُضْرَبُ بِهِمُ الْمَثَلُ فِي الْعَدْوِ.
وَتَأْنِيثُ هَذَا الْوَصْفِ هُنَا لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ.
وَالضَّبْحُ: اضْطِرَابُ النَّفَسِ الْمُتَرَدِّدِ فِي الْحَنْجَرَةِ دُونَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْفَمِ وَهُوَ مِنْ أَصْوَاتِ الْخَيْلِ وَالسِّبَاعِ. وَعَنْ عَطَاءٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَصِفُ الضَّبْحَ أَحْ أَحْ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ يَضْبَحُ غَيْرَ الْفَرَسِ وَالْكَلْبِ وَالثَّعْلَبِ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي «الْقَامُوسِ» .
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا جَالَسٌ فِي الْحِجْرِ جَاءَنِي رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنِ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَقُلْتُ لَهُ: الْخَيْلُ حِينَ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى اللَّيْلِ فَيَصْنَعُونَ طَعَامَهُمْ وَيُورُونَ نَارَهُمْ، فَانْفَتَلَ عَنِّي فَذَهَبَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ تَحْتَ