للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ [الْقَصَص: ٣٢] تَقْدِيرُهُ: إذْهَبَا بِآيَاتِنَا عَلَى نَحْوِ مَا قُدِّرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ [النَّمْلِ: ١٢] وَقَوله فِي سُورَة النَّمْل بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ [النَّمْل: ١٢] أَيِ اذْهَبَا فِي تِسْعِ آيَاتٍ. وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [١٥] قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً، أَيْ سُلْطَانًا عَلَيْهِمْ بِآيَاتِنَا حَتَّى تَكُونَ رَهْبَتُهُمْ مِنْكُمَا آيَةً مِنْ آيَاتِنَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِ فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما أَيْ يُصْرَفُونَ عَنْ أَذَاكُمْ بِآيَاتٍ مِنَّا

كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ»

. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ الْغالِبُونَ أَيْ تَغْلِبُونَهُمْ وَتَقْهَرُونَهُمْ بِآيَاتِنَا الَّتِي نُؤَيِّدُكُمَا بِهَا. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِلِاهْتِمَامِ بِعَظَمَةِ الْآيَاتِ الَّتِي سَيُعْطَيَانِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ حَرْفَ قَسَمٍ تَأْكِيدًا لَهُمَا بِأَنَّهُمَا الْغَالِبُونَ وَتَثْبِيتًا لِقُلُوبِهِمَا.

وَعَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَالْآيَاتُ تَشْمَلُ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ الْمُشَاهَدَةَ مِثْلَ الْآيَاتِ التِّسْعِ، وَتَشْمَلُ الْمُعْجِزَاتِ الْخَفِيَّةَ كَصَرْفِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَذَاهُمَا مَعَ مَا لَدَيْهِمْ مِنَ الْقُوَّةِ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ بِحَيْثُ لَوْلَا الصَّرَفَةُ مِنَ اللَّهِ لَأَهْلَكُوا مُوسَى وَأَخَاهُ.

وَمَحَلُّ الْعِبْرَةِ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْقِصَّةِ التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ الرِّسَالَةَ فَيْضٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى مَنِ اصْطَفَاهُ مِنْ عِبَادِهِ وَأَنَّ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِسَالَةِ مُوسَى جَاءَتْهُ بَغْتَةً فَنُودِيَ مُحَمَّدٌ فِي غَارِ جَبَلِ حِرَاءٍ كَمَا نُودِيَ مُوسَى فِي جَانِبِ جَبَلِ الطُّورِ، وَأَنَّهُ اعْتَرَاهُ مِنَ الْخَوْفِ مِثْلَ مَا اعْتَرَى مُوسَى، وَأَنَّ اللَّهَ ثَبَّتَهُ كَمَا ثَبَّتَ مُوسَى، وَأَنَّ اللَّهَ يَكْفِيهِ أَعْدَاءَهُ كَمَا كَفَى مُوسَى أعداءه.

[٣٦]

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٣٦]

فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦)

طُوِيَ مَا بَيْنَ نِدَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُ وَبَيْنَ حُضُورِهِ عِنْدَ فِرْعَوْنَ مِنَ الْأَحْدَاثِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْعِبْرَةِ بِهِ. وَأُسْنِدَ الْمَجِيءُ بِالْآيَاتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ دُونَ هَارُونَ لِأَنَّهُ