وَمَجِيءُ الْمُسْنَدِ مُضَارِعًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ إِيمَانِهِمْ وَتَجَدُّدِهِ.
وَحِكَايَةُ إِيمَانِهِمْ بِالْمُضِيِّ فِي قَوْلِهِ آمَنَّا بِهِ مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ عِنْدَ أَوَّلِ سَمَاعِهِمُ الْقُرْآنَ: إِمَّا لِأَنَّ الْمُضِيَّ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِنْشَاءِ الْإِيمَانِ مِثْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ، وَإِمَّا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ آمَنُوا بِهِ مِنْ قَبْلِ نُزُولِهِ، أَيْ آمَنُوا بِأَنَّهُ سَيَجِيءُ رَسُولٌ بِكِتَابٍ مُصَدِّقٍ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، يَعْنِي إِيمَانًا إِجْمَالِيًّا يَعْقُبُهُ إِيمَانٌ تَفْصِيلِيٌّ عِنْدَ سَمَاعِ آيَاتِهِ. وَيُنْظَرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ، أَيْ مُصَدِّقِينَ بِمَجِيءِ رَسُولِ الْإِسْلَامِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِ مُسْلِمِينَ مُوَحِّدِينَ مُصَدِّقِينَ بِالرُّسُلِ فَإِنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ الْإِسْلَامُ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَة: ١٣٢] .
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا فِي مَوْقِعِ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ آمَنَّا بِهِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ بَيَانٌ لِمَعْنَى آمَنَّا بِهِ.
[٥٤- ٥٥
[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : الْآيَات ٥٤ إِلَى ٥٥]
أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥)
التَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ هُنَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْرِيَاءُ بِمَا سَيُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ أَجْلِ الْأَوْصَافِ الَّتِي ذُكِرَتْ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٥] .
عدّ اللَّهُ لَهُمْ سَبْعَ خِصَالٍ مِنْ خِصَالِ أَهْلِ الْكَمَالِ:
إِحْدَاهَا: أُخْرَوِيَّةٌ، وَهِيَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ أَيْ أَنَّهُمْ يُؤْتُونَ أَجْرَيْنِ عَلَى إِيمَانِهِمْ، أَيْ يُضَاعَفُ لَهُمُ الثَّوَابُ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِكِتَابِهِمْ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ آمَنُوا بِالْقُرْآنِ، فَعَبَّرَ عَنْ مُضَاعَفَةِ الْأَجْرِ ضِعْفَيْنِ بِالْمَرَّتَيْنِ تَشْبِيهًا لِلْمُضَاعَفَةِ بِتَكْرِيرِ الْإِيتَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ إِيتَاءٌ وَاحِدٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute