للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِمِثَالِ الْمُبَالَغَةِ أَوِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ لِيَدُلَّ عَلَى كَثْرَةِ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُهُ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ لله تَعَالَى.

[٤٠، ٤١]

[سُورَة إِبْرَاهِيم (١٤) : الْآيَات ٤٠ إِلَى ٤١]

رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١)

جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ تَمَامِ دُعَائِهِ. وَفِعْلُ اجْعَلْنِي مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّكْوِينِ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، أَيِ اجْعَلْنِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُقِيمَ الصَّلَاةِ.

وَالْإِقَامَةُ: الْإِدَامَةُ، وَتَقَدَّمَ فِي صَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَمِنْ ذُرِّيَّتِي صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَالتَّقْدِيرُ وَاجْعَلْ مُقِيمِينَ لِلصَّلَاةِ مِنْ ذُرِّيَّتِي.

ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ وَلَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ، لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَا يَسْأَلُ اللَّهَ إِلَّا أَكْمَلَ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ وَلِذَرِّيَّتِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فَرِيقٌ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَفَرِيقٌ لَا يُقِيمُونَهَا، أَيْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَهَذَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ تَحْصِيلًا لِحَاصِلٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [سُورَة إِبْرَاهِيم: ٣٥] وَلَمْ يَقُلْ: وَمِنْ بَنِيَّ.

وَدُعَاؤُهُ بِتَقَبُّلِ دُعَائِهِ ضَرَاعَةٌ بَعْدَ ضَرَاعَةٍ.

وَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ فِي دُعاءِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ تَخْفِيفًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِلَيْهِ مَتابِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [٣٠] .

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَمْزَةُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ سَاكِنَةً.

ثُمَّ دَعَا بِالْمَغْفِرَةِ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلِوَالِدَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ نُبُوءَتِهِ وَمَا اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُوهُ بَعْدَ دَعْوَتِهِ مِنَ الشِّرْكِ، أَمَّا أُمُّهُ فَلَعَلَّهَا تُوُفِّيَتْ