وَلَا جَرَمَ أَنَّهُ كُلَّمَا تَوَغَّلَ الْعَبْدُ فِي الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَفِي الْكُفْرِ بِهِ ازْدَادَ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَازْدَادَ بُعْدُ الْهِدَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [آل عمرَان: ٨٦] .
وَالتَّوْفِيقُ: خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ فَنَفْيُ هِدَايَةِ اللَّهِ عَنْهُمْ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ تَوْفِيقِهِ وَلُطْفِهِ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ مُسَبَّبَةُ عَنِ التَّوْفِيقِ فَعُبِّرَ بِنَفْيِ الْمُسَبَّبِ عَنْ نَفْيِ السَّبَبِ. وَكَذِبُهُمْ هُوَ مَا اخْتَلَقُوهُ مِنَ الْكُفْرِ بِتَأْلِيهِ الْأَصْنَامِ، وَمَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنِ اخْتِلَاقِ صِفَاتٍ وَهْمِيَّةٍ لِلْأَصْنَامِ وَشَرَائِعَ يَدِينُونَ بِهَا لَهُم.
والكفّار: الشَّديد الْكُفْرِ الْبَلِيغُهُ، وَذَلِكَ كُفْرُهُمْ بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ تَلَقِّيهِ، وَالتَّجَرُّدِ عَنِ الْمَوَانِعِ لِلتَّدَبُّرِ فِيهِ. وَعُلِمَ مِنْ مُقَارَنَةِ وَصْفِهِمْ بِالْكَذِبِ بِوَصْفِهِمْ بِالْأَبْلَغِيَّةِ فِي الْكُفْرِ أَنَّهُمْ مُتَبَالِغُونَ فِي الْكَذِبِ أَيْضًا لِأَنَّ كَذِبَهُمُ الْمَذْمُومَ إِنَّمَا هُوَ كَذِبُهُمْ فِي كُفْرِيَّاتِهِمْ فَلَزِمَ مِنْ مُبَالَغَةِ الْكُفْرِ مُبَالَغَةُ الْكَذِب فِيهِ.
[٤]
[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٤]
لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤)
مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ مَوْقِعُ الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَاذِبُونَ وَكَفَّارُونَ فِي اتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَفِي قَوْلِهِمْ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ [الزمر: ٣] وَأَنَّ اللَّهَ حَرَمَهُمُ الْهُدَى وَذَلِكَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:
٣] ، فَقَصَدَ إِبْطَالَ شِرْكِهِمْ بِإِبْطَالِ أَقْوَاهُ وَهُوَ عَدُّهُمْ فِي جُمْلَةِ شُرَكَائِهِمْ شُرَكَاءَ زَعَمُوا لَهُمْ بُنُوَّةً لِلَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ قَالُوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْبَقَرَة: ١١٦] فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَزْعُمُونَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ بَنَاتِ الله قَالَ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى [النَّجْم: ١٩- ٢١] .
قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» هُنَالِكَ: «كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ وَهَذِهِ الْأَصْنَامَ (يَعْنِي هَذِهِ الثَّلَاثَةَ) بَنَاتُ اللَّهِ» وَذَكَرَ الْبَغْوَيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ كَانَ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ يَقُولُونَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute