وَمَنْ حَضَرَ بِالسَّيِّئَةِ يَوْمَ الْعَرْضِ عَلَى الْحِسَابِ. فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِخَاتِمَةِ الْأَمْرِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُوَافَاةِ. وَأَمَّا اخْتِيَارُ فِعْلِ عَمِلُوا فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ فَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ عَمَلَهُمْ هُوَ عِلَّةُ جَزَائِهِمْ زِيَادَةً فِي التَّنْبِيهِ عَلَى عَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمَعْنَى فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها أَنَّ كُلَّ حَسَنَةٍ تَحْتَوِي عَلَى خَيْرٍ لَا مَحَالَةَ يَصِلُ إِلَى نَفْسِ الْمُحْسِنِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ فَلِلْجَائِي بِالْحَسَنَةِ خَيْرٌ أَفْضَلُ مِمَّا فِي حَسَنَتِهِ مِنَ الْخَيْرِ، أَوْ فَلَهُ مِنَ اللَّهِ إِحْسَانٌ عَلَيْهَا خَيْرٌ مِنَ الْإِحْسَانِ الَّذِي فِي الْحَسَنَةِ قَالَ تَعَالَى فِي آيَاتٍ أُخْرَى فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الْأَنْعَام: ١٦٠] أَيْ فَلَهُ مِنَ الْجَزَاءِ حَسَنَاتٌ أَمْثَالُهَا وَهُوَ تَقْدِيرٌ يَعْلَمُهُ اللَّهُ.
وَلَمَّا ذُكِرَ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ أُعْقِبَ بِضِدِّ ذَلِك مَعَ مُقَابَلَةُ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُحْسِنِ بِعَدْلِهِ مَعَ الْمُسِيءِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ مِنْ قَرْنِ التَّرْغِيبِ بِالتَّرْهِيبِ.
ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ مَا صَدَقُهُ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ، والَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ الثَّانِي هُوَ عَيْنُ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ الْإِضْمَارِ بِأَنْ يُقَالَ: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَوْنَ إِلَخْ وَلَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ فِي التَّصْرِيحِ بِوَصْفِهِمْ بِ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ تَكْرِيرًا لِإِسْنَادِ عَمَلِ السَّيِّئَاتِ إِلَيْهِمْ لِقَصْدِ تَهْجِينِ هَذَا الْعَمَلِ الذَّمِيمِ وَتَبْغِيضِ السَّيِّئَةِ إِلَى قُلُوبِ السَّامِعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَفِي قَوْلِهِ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ عَنْ فِعْلِ يُجْزَى الْمَنْفِيِّ الْمُفِيدِ بِالنَّفْيِ عُمُومَ أَنْوَاعِ الْجَزَاءِ، وَالْمُسْتَثْنَى تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، أَيْ جَزَاءُ شَبَهِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَهُ.
وَالْمُرَادُ الْمُشَابَهَةُ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي عُرْفِ الدِّينِ، أَيْ جَزَاءً وِفَاقًا لِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَجَارِيًا عَلَى مِقْدَارِهِ لَا حَيْفَ فِيهِ وَذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى الْعلم الإلهي.
[٨٥]
[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٨٥]
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥)
ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَثْبِيتِ فُؤَادِهِ وَوَعْدِهِ بِحُسْنِ الْعَاقِبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّ إِنْكَارَ أَهْلِ الضَّلَالِ رِسَالَتَهُ لَا يَضِيرُهُ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِأَنَّهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute