وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِمُشْرِكِي الْعَرَبِ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ التَّفَكُّرِ فِي صدق الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلَالَةِ مُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ، فَلِذَلِكَ أُعِيدَ التَّصْرِيحُ بِتَسَبُّبِ الْإِعْرَاضِ فِي غَرَقِهِمْ مَعَ اسْتِفَادَتِهِ مِنَ التَّفْرِيعِ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ تَنْبِيهًا لِلسَّامِعِينَ لِلِانْتِقَالِ مِنَ الْقِصَّةِ إِلَى الْعِبْرَةِ.
وَقَدْ صِيغَ الْإِخْبَارُ عَنْ إِعْرَاضِهِمْ بِصِيغَةِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِعْرَاضَ ثَابِتٌ لَهُمْ، وَرَاسِخٌ فِيهِمْ، وَأَنَّهُ هُوَ عِلَّةُ التَّكْذِيبِ الْمَصُوغِ خَبَرُهُ بِصِيغَةِ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ لِإِفَادَةِ تَجَدُّدِهِ عِنْدَ تَجَدُّدِ الْآيَاتِ.
[١٣٧]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٣٧]
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا مَا كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧)
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها.
عُطِفَ عَلَى فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ [الْأَعْرَاف: ١٣٦] . وَالْمَعْنَى: فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعِقَابِ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ وَجَازَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِنِعْمَةٍ عَظِيمَة.
وَتقدم ءانفا الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى أَوْرَثْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها [الْأَعْرَاف: ١٠٠] وَالْمُرَادُ هُنَا تَمْلِيكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ بَعْدَ أَهْلِهَا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي كَانَتْ تَمْلِكُهَا مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى بِلَادِ الشَّامِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَعْيِينُ
الْمَوْرُوثِ عَنْهُ.
وَالْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ هُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمَا وَقَعَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ [الشُّعَرَاء: ٥٩] ، وَعُدِلَ عَنْ تَعْرِيفِهِمْ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ إِلَى تَعْرِيفِهِمْ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ لِنُكْتَتَيْنِ: أُولَاهُمَا: الْإِيمَاءُ إِلَى عِلَّةِ الْخَبَرِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ مَلَّكَهُمُ الْأَرْضَ وَجَعَلَهُمْ أُمَّةً حَاكِمَةً جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَا صَبَرُوا عَلَى الِاسْتِعْبَادِ، غَيْرَةً مِنَ اللَّهِ عَلَى عَبِيدِهِ.
الثَّانِيَةُ: التَّعْرِيضُ بِبِشَارَةِ الْمُؤمنِينَ بِمُحَمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ سَتَكُونُ لَهُمْ عَاقِبَةُ السُّلْطَانِ كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، جَزَاءً عَلَى صَبْرِهِمْ عَلَى الْأَذَى فِي اللَّهِ، وَنِذَارَةُ الْمُشْرِكِينَ بِزَوَالِ سُلْطَانِ دِينِهِمْ.
وَمَعْنَى يُسْتَضْعَفُونَ: يُسْتَعْبَدُونَ وَيُهَانُونَ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْحُسْبَانِ مِثْلَ اسْتَنْجَبَ، أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي اسْتَجَابَ.