وَالْمَشَارِقُ وَالْمَغَارِبُ جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْجِهَاتِ، لِأَنَّ الْجِهَةَ أَمر نسبي تتعد بِتَعَدُّدِ الْأَمْكِنَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا إِحَاطَةُ الْأَمْكِنَةِ.
والْأَرْضِ أَرْضُ الشَّامِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ وَهِيَ تَبْتَدِئُ مِنَ السَّوَاحِلِ الشَّرْقِيَّةِ الشَّمَالِيَّةِ لِلْبَحْرِ الْأَحْمَرِ وَتَنْتَهِي إِلَى سَوَاحِلِ بَحْرِ الرُّومِ وَهُوَ الْبَحْرُ الْمُتَوَسِّطُ وَإِلَى حُدُودِ الْعِرَاقِ وَحُدُودِ بِلَادِ الْعَرَبِ وَحُدُودِ بِلَادِ التُّرْكِ.
والَّتِي بارَكْنا فِيها صِفَةٌ لِلْأَرْضِ أَوْ لِمَشَارِقِهَا وَمَغَارِبهَا لِأَن مَا صدقيهما مُتَّحِدَانِ، أَيْ قَدَّرْنَا لَهَا الْبَرَكَةَ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى الْبَرَكَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٩٦] . أَيْ أَعَضْنَاهُمْ عَنْ أَرْضِ مِصْرَ الَّتِي أُخْرِجُوا مِنْهَا أَرْضًا هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَرْضِ مصر.
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا مَا كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ إِلَخْ ... وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ هُوَ قَوْلُهُ: بِما صَبَرُوا تَنْوِيهًا بِفَضِيلَةِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِ، وَبِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ عُطِفَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَإِلَّا فَإِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ تَشْمَلُ
إِيرَاثَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا، فَتَتَنَزَّلُ مِنْ جُمْلَةِ: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ إِلَى آخِرِهَا مَنْزِلَةَ التَّذْيِيلِ الَّذِي لَا يُعْطَفُ، فَكَانَ مُقْتَضَى الْعَطْفِ هُوَ قَوْلُهُ بِما صَبَرُوا.
وَكلمَة: هِيَ الْقَوْلُ، وَهُوَ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظَ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى فِي قَوْلِهِ: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ [الْأَعْرَاف: ١٢٩] أَوْ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ وَهِيَ وَعْدُ تَمْلِيكِهِمُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، فَتَمَامُ الْكَلِمَةِ تَحَقُّقُ وَعْدِهَا، شُبِّهَ تَحَقُّقُهَا بِالشَّيْءِ إِذَا اسْتَوْفَى أَجْزَاءَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَلِمَةُ اللَّهِ فِي عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ وَهِيَ إِرَادَةُ اللَّهِ إِطْلَاقَهُمْ مِنَ اسْتِعْبَادِ الْقِبْطِ وَإِرَادَتُهُ تَمْلِيكَهُمُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ كَقَوْلِهِ: وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ [النِّسَاء: ١٧١] .
وَتَمَامُ الِكَلِمَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى ظُهُورُ تَعَلُّقِهَا التَّنْجِيزِيِّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute