الْفَصَائِلِ، وَفِي الْعَائِلَاتِ، وَكَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا خَلَّدَهُ التَّارِيخُ الصَّادِقُ لِلْأُمَمِ وَالْأَفْرَادِ فَمَا يَتْرُكُ آثَارًا لِأَفْرَادِهَا وَخِلَالًا فِي سَلَائِلِهَا
قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا»
. فَإِنَّ فِي خلق الأنباء آثَارًا مِنْ طِبَاعِ الْآبَاءِ الْأَدَنَيْنَ أَوِ الْأَعْلَيْنَ تَكُونُ مُهَيَّئَةً نُفُوسُهُمْ لِلْكَمَالِ أَوْ ضِدِّهِ وَأَنَّ لِلتَّهْذِيبِ وَالتَّرْبِيَةِ آثَارًا جَمَّةً فِي تَكْمِيلِ النُّفُوسِ أَوْ تَقْصِيرِهَا وَلِلْعَوَائِدِ وَالتَّقَالِيدِ آثَارُهَا فِي الرِّفْعَةِ وَالضَّعَةِ وَكُلُّ هَذِهِ وَسَائِلُ لِإِعْدَادِ النُّفُوسِ إِلَى الْكَمَالِ وَالزَّكَاءِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي تُخَطِّطُهُ التَّقْوَى.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ تَذْيِيلٌ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَمْرِ بِتَزْكِيَةِ نَوَايَاهُمْ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ وَمَا يُرِيدُونَ مِنَ التَّقْوَى بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي نُفُوسِهِمْ ويحاسبهم عَلَيْهِ.
[١٤]
[سُورَة الحجرات (٤٩) : آيَة ١٤]
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)
كَانَ مِنْ بَيْنِ الْوُفُودِ الَّتِي وَفَدَتْ عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ الْمُسَمَّاةِ سَنَةَ الْوُفُودِ، وَفْدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَكَانُوا يَنْزِلُونَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ قُدُومُهُمُ الْمَدِينَةَ عَقِبَ قُدُومِ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ الَّذِي ذُكِرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَوَفَدَ بَنُو أَسَدٍ فِي عدد كثير وَفِيهِمْ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ، وَطُلَيْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (الَّذِي ادَّعَى النُّبُوءَةَ بَعْدَ وَفَاة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الرِّدَّةِ) ، وَكَانَتْ هَذِهِ السَّنَةُ سَنَةَ جَدْبٍ بِبِلَادِهِمْ فَأَسْلَمُوا وَكَانُوا يَقُولُونَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْكَ الْعَرَبُ بِأَنْفُسِهَا عَلَى ظُهُورِ رَوَاحِلِهَا وَجِئْنَاكَ بِالْأَثْقَالِ وَالْعِيَالِ وَالذَّرَارِيِّ وَلَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ
مُحَارِبُ خَصَفَةَ وَهَوَازِنَ وَغَطَفَانَ. يَفِدُونَ عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرُوحُونَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ وَيَمُنُّونَ عَلَيْهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَصْرِفَ إِلَيْهِمُ الصَّدَقَاتِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى آخَرِ السُّورَةِ لِوُقُوعِ الْقِصَّتَيْنِ قِصَّةِ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَقِصَّةِ وَفْدِ بَنِي أَسَدٍ فِي أَيَّامٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَالْأَغْرَاضُ الْمَسْكُوَّةُ بِالْجَفَاءِ مُتَنَاسِبَةٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْأَعْرَابِ الْمَذْكُورِينَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ [١١] فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا الْآيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute