وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (وَثَمُودًا) بِالتَّنْوِينِ عَلَى إِطْلَاقِ اسْمِ جَدِّ الْقَبِيلَةِ عَلَيْهَا. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ بِدُونِ تَنْوِينٍ عَلَى إِرَادَةِ اسْمِ الْقَبِيلَةِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ أَهْلَكَ عَادًا إِلَى آخِرِهَا، وَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي إِنَّهُمْ كانُوا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى قَوْمِ نُوحٍ، أَيْ كَانُوا أَظْلَمَ وَأَطْغَى مِنْ عَادٍ وَثَمُودَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ نُوحٍ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ أَظْلَمُ وَأَطْغَى مِنْ قَوْمِكَ الَّذِينَ كَذَّبُوكَ فَتَكُونَ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الرُّسُلَ مِنْ قَبْلِهِ لَقُوا مِنْ أُمَمِهِمْ أَشَدَّ مِمَّا لَقِيَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ مُبْقٍ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُهْلِكُهَا لِأَنَّهُ قَدَّرَ دُخُولَ بَقِيَّتِهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَبْنَائِهَا.
وَضَمِيرُ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ لتقوية الْخَبَر.
[٥٣، ٥٤]
[سُورَة النَّجْم (٥٣) : الْآيَات ٥٣ إِلَى ٥٤]
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها مَا غَشَّى (٥٤)
وَالْمُؤْتَفِكَةُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ اشْتِقَاقُ الْوَصْفِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالتَّقْدِيرُ:
الْقُرَى الْمُؤْتَفِكَةُ، وَهِيَ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ الْأَرْبَعُ وَهِي (سدوم) و (عمورة) و (آدمة) و (صبوييم) . وَوُصِفَتْ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [٧٠] بِالْمُؤْتَفِكَاتِ لِأَنَّ وَصْفَ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ وَأَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ الْمُؤَنَّثِ. وَقَدْ صَارَ هَذَا الْوَصْفُ غَالِبًا عَلَيْهَا بِالْغَلَبَةِ.
وَذُكِّرَتِ الْقُرَى بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا مِنَ السُّكَّانِ تَفَنُّنًا وَمُرَاعَاةً لِلْفَوَاصِلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُؤْتَفِكَةُ هُنَا وَصْفًا لِلْأُمَّةِ، أَيْ لِأُمَّةِ لُوطٍ لِيَكُونَ نَظِيرًا لِذِكْرِ عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ نُوحٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ [٩] . وَالِائْتِفَاكُ: الِانْقِلَابُ، يُقَالُ: أَفَكَهَا فَأْتَفَكَتْ. وَالْمَعْنَى: الَّتِي خُسِفَ بِهَا فَجُعِلَ عَالِيهَا سَافِلَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ.
وَانْتَصَبَ الْمُؤْتَفِكَةَ مَفْعُولُ أَهْوى أَيْ أَسْقَطُ أَيْ جَعَلَهَا هَاوِيَةً.
وَالْإِهْوَاءُ: الْإِسْقَاطُ، يُقَالُ: أَهْوَاهُ فَهَوَى، وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ رَفَعَهَا فِي الْجَوِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute