الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِمَا يُؤْذِنُ بِهِ وَصْفُ الظَّالِمِينَ مِنِ اسْتِحْقَاقِهِمِ الْحِرْمَانَ مِنْ عِنَايَةِ اللَّهِ بِهِمْ لِظُلْمِهِمْ، أَيْ إِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ، فَالظُّلْمُ هُنَا الشِّرْكُ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣] .
وَالضَّلَالُ، مُسْتَعَارٌ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ إِلَى طَرَائِقِ الْمَكْرِ الَّذِي خَشِيَ نُوحٌ غَائِلَتَهُ فِي قَوْلِهِ:
وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً [نوح: ٢٢] ، أَيْ حُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَكْرِهِمْ وَلَا تَزِدْهُمْ إِمْهَالًا فِي طُغْيَانِهِمْ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ تُضَلِّلَهُمْ عَنْ وَسَائِلِهِ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ، أَوْ أَرَادَ إِبْهَامَ طُرُقِ النَّفْعِ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَنْكَسِرَ شَوْكَتُهُمْ وَتَلِينَ شَكِيمَتُهُمْ نَظِيرَ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يُونُس:
٨٨] .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّلَالِ الضَّلَالَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَالتَّوْحِيدِ لِظُهُورِ أَنَّهُ يُنَافِي دَعْوَةَ نُوحٍ قَوْمَهُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ فَكَيْفَ يَسْأَلُ اللَّهُ أَنْ يَزِيدَهُمْ مِنْهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّلَالُ أُطْلِقَ عَلَى الْعَذَابِ الْمُسَبَّبِ عَنِ الضَّلَالِ، أَيْ فِي عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَذَابُ الْإِهَانَةِ وَالْآلَامِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً وَهِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِنُوحٍ فَتَكُونُ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً وَيُقَدَّرُ قَوْلٌ مَحْذُوفٌ: وَقُلْنَا لَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ. وَالْمَعْنَى: وَلَا تَزِدْ فِي دُعَائِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا ضَلَالًا، فَالزِّيَادَةُ مِنْهُ تَزِيدُهُمْ كُفْرًا وَعِنَادًا. وَبِهَذَا يَبْقَى الضَّلَالُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْمَشْهُورِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ، فَصِيغَةُ النَّهْيِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّأْيِيسِ مِنْ نَفْعِ دَعْوَتِهِ إِيَّاهُمْ. وَأَعْلَمَ اللَّهُ نُوحًا أَنَّهُ مُهْلِكُهُمْ بِقَوْلِهِ: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا الْآيَة [نوح: ٢٥] وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [هود:
٣٦، ٣٧] .
أَلَا تَرَى أَنَّ خِتَامَ كِلْتَا الْآيَتَيْنِ مُتَّحِدُ الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ هُنَا أُغْرِقُوا وَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ.
[٢٥]
[سُورَة نوح (٧١) : آيَة ٢٥]
مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute