وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَالْكُفَّارَ- بِالنَّصْبِ- عَطْفًا عَلَى الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ الْمُبَيَّنِ بِقَوْلِهِ: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ، وَيَعْقُوبُ وَالْكُفَّارَ- بِالْخَفْضِ- عَطْفًا عَلَى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَمَآلُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ.
وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَيِ احْذَرُوهُ بِامْتِثَالِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ. وَذِكْرُ هَذَا الشَّرْطِ اسْتِنْهَاضٌ لِلْهِمَّةِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِلْهَابٌ لِنُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُظْهِرُوا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، لِأَنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ الِامْتِثَالُ. وَلَيْسَ لِلشَّرْطِ مَفْهُومٌ هُنَا، لِأَنَّ الْكَلَامَ إِنْشَاءٌ وَلِأَنَّ خَبَرَ كَانَ لَقَبٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ إِذْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْمَوْصُوفُ بِالتَّصْدِيقِ، ذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ التَّقْوَى لَا يَنْفِي الْإِيمَانَ عِنْدَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ فَهِمُوا مَقْصِدَ الْإِسْلَامِ فِي جَامِعَتِهِ حَقَّ الْفَهْمِ.
وَإِذَا أُرِيدَ بِالْمُوَالَاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الْمُوَالَاةُ التَّامَّةُ بِمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ فِي الدِّينِ فَالْأَمْرُ بِالتَّقْوَى، أَيِ الْحَذَرِ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا نُهُوا عَنْهُ مُعَلَّقٌ بِكَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ بِوَجْهٍ ظَاهِرٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآيَةَ مُفَسَّرَةٌ أَوْ مُؤَوَّلَةٌ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ فِي سَالِفَتِهَا وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [الْمَائِدَة: ٥١] .
وَالنِّدَاءُ إِلَى الصَّلَاةِ هُوَ الْأَذَانُ، وَمَا عُبِّرَ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِالنِّدَاءِ. وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شَيْءٌ مَعْرُوفٌ، فَهِيَ مُؤَيِّدَةٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ وَلَيْسَتْ مُشَرِّعَةً لَهُ، لِأَنَّهُ شُرِعَ بِالسُّنَّةِ.
وَقَوْلُهُ: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ تَحْقِيرٌ لَهُمْ إِذْ لَيْسَ فِي النِّدَاءِ إِلَى الصَّلَاةِ مَا يُوجِبُ الِاسْتِهْزَاءَ فَجَعْلُهُ مُوجِبًا لِلِاسْتِهْزَاءِ سخافة لعقولهم.
[٥٩، ٦٠]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : الْآيَات ٥٩ إِلَى ٦٠]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute