للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ [هود: ٩١]- وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا [هود:٢٩]- وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الْأَنْعَام: ١٠٧] فَالْوَجْهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْمُشْتَقِّ لَا يُفِيدُ بِذَاتِهِ التَّخْصِيصَ وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ مَوَاقِعِهِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ بِالْقَرَائِنِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ. مَا يُفِيدُ التَّخْصِيصَ وَلَا يَدْعُو إِلَيْهِ.

[١٦٨، ١٦٩]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ١٦٨ إِلَى ١٦٩]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (١٦٩)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ هُوَ كَالْخَاتِمَةِ لِتَشْوِيهِ أَحْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ وَفُرُوعِهِ الَّتِي ابْتَدَأَ الْكَلَامُ فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ [الْبَقَرَة: ١٦١] الْآيَةَ، إِذْ ذَكَرَ كُفْرَهُمْ إِجْمَالًا ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [الْبَقَرَة: ١٦٣] وَاسْتَدَلَّ عَلَى إِبْطَالِهِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْبَقَرَة:

١٦٤] الْآيَاتِ ثُمَّ وَصَفَ كُفْرَهُمْ بِقَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ١٦٥] ، وَوَصَفَ حَالَهُمْ وَحَسْرَتَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَوَصَفَ هُنَا بَعْضَ مَسَاوِئِ دِينِ أَهْلِ الشِّرْكِ فِيمَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَنَاسَبَ ذِكْرَهُ هُنَا أَنه وَقع بعد مَا تَضَمَّنَهُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَالِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَتِهِ بِقَوْلِهِ:

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ: وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ [الْبَقَرَة: ١٦٤] الْآيَةَ، وَهُوَ تَمْهِيدٌ وَتَلْخِيصٌ لِمَا يَعْقُبُهُ مَنْ ذِكْرِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا الَّتِي سَتَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ [الْبَقَرَة: ١٧٢] .

فالخطاب بيا أَيُّهَا النَّاسُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ كَمَا هُوَ شَأْنُ خطاب الْقُرْآن بيا أَيُّهَا النَّاسُ. وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْوُجُوبِ وَلَا لِلْإِبَاحَةِ، إِذْ لَيْسَ الْكُفَّارُ بِأَهْلٍ لِلْخِطَابِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَقَوْلُهُ: كُلُوا تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ.