الْوَعِيدِ وَتَرَدُّدُهُمْ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى قَتْلِهَا بِالْمُعَاطَاةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ حِينَ يُحْجِمُ عَنْ مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ وَيُشِيرُ بِغَيْرِهِ كَأَنَّهُ يُعْطِي مَا بِيَدِهِ إِلَى يَدِ غَيْرِهِ حَتَّى أَخَذَهُ قُدَارٌ.
وَعَطَفَ فَعَقَرَ بِالْفَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى سُرْعَةِ إِتْيَانِهِ مَا دَعوه لأَجله.
والعقر: أَصْلُهُ ضَرْبُ الْبَعِيرِ بِالسَّيْفِ عَلَى عَرَاقِيبِهِ لِيَسْقُطَ إِلَى الْأَرْضِ جَاثِيًا فَيَتَمَكَّنَّ النَّاحِرُ مِنْ نَحْرِهِ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ:
ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السَّيْفِ سُوقَ سَمَائُهَا ... إِذَا عَدِمُوا زَادًا فَإِنَّكَ عَاقِرُ
وَغَلَبَ إِطْلَاقُهُ عَلَى قَتْلِ الْبَعِيرِ كَمَا هُنَا إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَقَرَهَا بَلْ قَتلهَا بنبله.
[٣٠]
[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : آيَة ٣٠]
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠)
الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ الْوَاقِعِ فِي قِصَّةِ قَوْمِ نُوحٍ فَلَيْسَ هُوَ تَكْرِيرًا وَلَكِنَّهُ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْقِصَّة.
[٣١]
[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : آيَة ٣١]
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)
جَوَابُ قَوْلِهِ: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ [الْقَمَر: ٣٠] فَهُوَ مِثْلُ مَوْقِعِ قَوْلِهِ: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً [الْقَمَر: ١٩] فِي قِصَّةِ عَادٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالصَّيْحَةُ: الصَّاعِقَةُ وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالطَّاغِيَةِ فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ، وَفِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ بِالرَّجْفَةِ، وَهِيَ صَاعِقَةٌ عَظِيمَةٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ أَهْلَكَتْهُمْ، وَلذَلِك وصفت ب واحِدَةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ إِذْ أَتَتْ عَلَى قَبِيلَةٍ كَامِلَةٍ وَهُمْ أَصْحَاب الْحجر.
وفَكانُوا بِمَعْنَى: صَارُوا، وَتَجِيءُ (كَانَ) بِمَعْنَى (صَارَ) حِينَ يُرَادُ بهَا كَون متجدد لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ.