وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ بِجَرِّ لَامِ (قِيلِهِ) وَيَجُوزُ فِي جَرِّهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى السَّاعَةِ فِي قَوْلِهِ: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف:
٨٥] أَيْ وَعِلْمُ قِيلِ الرَّسُولِ: يَا رَبِّ، وَهُوَ عَلَى هَذَا وَعْدٌ لِلرَّسُولِ بِالنَّصْرِ وَتَهْدِيدٌ لَهُمْ بِالِانْتِقَامِ.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْقَسَمِ وَيَكُونَ جَوَابُ الْقَسَمِ جُمْلَةَ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِقَوْلِ الرَّسُولِ: يَا رَبِّ، تَعْظِيمًا لِلرَّسُولِ وَلِقِيلِهِ الَّذِي هُوَ تَفْوِيضٌ لِلرَّبِّ وَثِقَةٌ بِهِ.
وَمَقُولُ قِيلِهِ هُوَ يَا رَبِّ فَقَطْ، أَيْ أَقْسَمَ بِنِدَاءِ الرَّسُولِ رَبَّهُ نِدَاءَ مُضْطَرٍّ.
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي «شَرْحِ الْكَعْبِيَّةِ» عَنْ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ: أَنَّ مَنْ جَرَّ فَقَوْلُهُ بِظَنٍّ وَتَخْلِيطٍ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ هِشَامٍ لِإِمْكَانِ تَخْرِيجِ الْجَرِّ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ.
وَقَدْ حُذِفَ بَعْدَ النِّدَاءِ مَا نُودِيَ لِأَجْلِهِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ مَقَامُ مَنْ أَعْيَتْهُ الْحِيلَةُ فِيهِمْ فَفَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى رَبِّهِ فَأَقْسَمَ اللَّهُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَيَنْتَقِمُ مِنْهُمْ فَلِذَلِكَ قَالَ: فَسَوف تعلمُونَ [الزخرف: ٨٩] .
وَالْإِشَارَةُ بِ هؤُلاءِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَمَا هِيَ عَادَةُ الْقُرْآنِ غَالِبًا وَوَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ، أَدَلُّ عَلَى تَمَكُّنِ عَدَمِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ مِنْ أَنْ يَقُولَ: هَؤُلَاءِ لَا يُؤمنُونَ.
[٨٩]
[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٨٩]
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
الْفَاءُ فَصِيحَةٌ لِأَنَّهَا أَفْصَحَتْ عَنْ مُقَدَّرٍ، أَيْ إِذْ قُلْتَ ذَلِكَ الْقِيلَ وَفَوَّضْتَ الْأَمْرَ إِلَيْنَا فَسَأَتَوَلَّى الِانْتِصَافَ مِنْهُمْ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ، أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ لَهُمْ وَقُلْ لَهُمْ إِنْ جَادَلُوكَ: سَلامٌ، أَيْ سَلَّمْنَا فِي الْمُجَادَلَةِ وَتَرَكْنَاهَا. وَأَصْلُ سَلامٌ مَصْدَرٌ جَاءَ بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ. فَأَصْلُهُ النَّصْبُ، وَعُدِّلَ إِلَى رَفْعِهِ لِقَصْدِ الدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الْفَاتِحَة: ٢] .