للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَكَيْفَ وَهَذِهِ مَكِّيَّةٌ وَقِصَّةُ الْحَبْرِ مَدَنِيَّةٌ.

وَجُمْلَةُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ إِنْشَاءُ تَنْزِيهٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ إِشْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ لَهُ آلِهَةً وَهُوَ يُؤَكِّدُ جُمْلَةَ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

[٦٨]

[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٦٨]

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)

انْتِقَالٌ مِنْ إِجْمَالِ عَظَمَةِ الْقُدْرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى تَفْصِيلِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَهْوِيلٍ وَتَمْثِيلٍ لِمَجْمُوعِ الْأَحْوَالِ يَوْمَئِذٍ مِمَّا يُنْذِرُ الْكَافِرَ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنَ وَيُذَكِّرُ بِإِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْحَقِّ، ثُمَّ تَمْثِيلُ إِزْجَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وَسَوْقِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَنَّةِ.

فَالْجُمْلَةُ مِنْ عَطْفِ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ، وَمُنَاسَبَةُ الْعَطْفِ ظَاهِرَةٌ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: وَنُفِخَ وَقَوْلِهِ: فَصَعِقَ مَجَازًا لِأَنَّهُ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ مِثْلَ قَوْلِهِ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ بِتَقْدِيرِ (قَدْ) أَيْ وَالْحَالُ قَدْ نُفِخَ فِي الصُّورِ، فَتَكُونُ صِيغَةُ الْمَاضِي فِي فِعْلَيْ (نُفِخَ وصعق) مُسْتَعْمَلَةً فِي حَقِيقَتِهَا. وَابْتُدِئَتِ الْجُمْلَةُ بِحَدِيثِ النَّفْخِ فِي الصُّوَرِ إِذْ هُوَ مِيقَاتُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَا يَتَقَدَّمُهُ مِنْ مَوْتِ كُلِّ حَيٍّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَتَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

وَالصُّوَرُ: بُوقٌ يُنَادَى بِهِ الْبَعِيدُ الْمُتَفَرِّقُ مِثْلُ الْجَيْشِ، وَمِثْلُ النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ فَقَدْ كَانَ الْيَهُودُ يُنَادُونَ بِهِ: لِلصَّلَاةِ الْجَامِعَةِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْأَذَانِ فِي الْإِسْلَامِ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا نِدَاءُ الْخَلْقِ لِحُضُورِ الْحَشْرِ أَحْيَائِهِمْ وَأَمْوَاتِهِمْ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فِي الْأَنْعَامِ

[٧٣] . وَهُوَ عَلَامَةٌ لِأَمْرِ التَّكْوِينِ، فَالْأَحْيَاءُ يُصْعَقُونَ فَيَمُوتُونَ (كَمَا يَمُوتُ الْمَفْزُوعُ) بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى، وَالْأَمْوَاتُ يُصْعَقُونَ اضْطِرَابًا تَدِبُّ بِسَبَبِهِ فِيهِمُ الْحَيَاةُ فَيَكُونُونَ مُسْتَعِدِّينَ لِقَبُولِ الْحَيَاةِ، فَإِذَا نُفِخَتِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ حَلَّتِ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَجْسَادِ الْمَخْلُوقَةِ لَهُمْ عَلَى مِثَالِ مَا بَلِيَ مِنْ