[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٩٣]
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٩٣)
لَمَّا نَفَتِ الْآيَتَانِ السَّابِقَتَانِ أَنْ يَكُونَ سَبِيلٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ لَمْ يَجِدُوا حَمُولَةً، حَصَرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ السَّبِيلَ فِي كَوْنِهِ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَ فِي التَّخَلُّفِ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ، وَهُوَ انْتِقَالٌ بِالتَّخَلُّصِ إِلَى الْعَوْدَةِ إِلَى أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ [التَّوْبَة: ٩٤] ، فَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَصْنَافِ الَّذِينَ نُفِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ.
وَفِي هَذَا الْحَصْرِ تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ السَّابِقِ، أَيْ لَا سَبِيلَ عِقَابٍ إِلَّا عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ. وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمُنَافِقُونَ بِالْمَدِينَةِ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ الْجِهَادَ إِذْ لَا يُؤْمِنُونَ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَهُمْ أُولُو الطَّوْلِ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ [التَّوْبَة: ٨٦] الْآيَةَ.
وَالسَّبِيلُ: حَقِيقَتُهُ الطَّرِيقُ. وَمَرَّ فِي قَوْلِهِ: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التَّوْبَة: ٩١] .
وَقَوْلِهِ: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى السُّلْطَانِ وَالْمُؤَاخَذَةِ بِالتَّبِعَةِ، شُبِّهَ السُّلْطَانُ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالطَّرِيقِ لِأَنَّ السُّلْطَةَ يَتَوَصَّلُ بِهَا مَنْ هِيَ لَهُ إِلَى
تَنْفِيذِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْغَيْرِ. وَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِحَرْفِ (عَلَى) الْمُفِيدِ لِمَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ، وَهُوَ اسْتِعْلَاءٌ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى التَّمَكُّنِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مَدْخُولِ (عَلَى) . فَكَانَ هَذَا التَّرْكِيبُ اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً رُمِزَ إِلَيْهَا بِمَا هُوَ مِنْ مُلَائِمَاتِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ حَرْفُ (عَلَى) . وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ تَبْعِيَّةٌ.
وَالتَّعْرِيفُ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا السَّبِيلُ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، وَالْمَعْهُودُ هُوَ السَّبِيلُ الْمَنْفِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التَّوْبَة: ٩١] عَلَى قَاعِدَةِ النَّكِرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute