وَذِكْرُ مَا تُبْدُونَ مَقْصُودٌ مِنْهُ التَّعْمِيمُ وَالشُّمُولُ مَعَ مَا تَكْتُمُونَ وَإِلَّا فَالْغَرَضُ هُوَ تَعْلِيمُهُمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَهُ أَمَّا مَا يُبْدُونَهُ، فَلَا يُظَنُّ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعلمهُ.
[١٠٠]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ١٠٠]
قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠)
لَمَّا آذَنَ قَوْلُهُ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الْمَائِدَة: ٩٨] وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ [الْمَائِدَة: ٩٩] بِأَنَّ النَّاسَ فَرِيقَانِ: مُطِيعُونَ وَعُصَاةٌ، فَرِيقٌ عَانَدُوا الرَّسُولَ وَلَمْ يَمْتَثِلُوا، وَهُمْ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَمَنْ عَاضَدَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَرُبَّمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ لِلْقَبَائِلِ أَنَّهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَأَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَكُونُ عَلَى خَطَأٍ، فَأَزَالَ اللَّهُ الْأَوْهَامَ الَّتِي خَامَرَتْ نُفُوسَهُمْ فَكَانَتْ فِتْنَةً أَوْ حُجَّةً ضَالَّةً يُمَوِّهُ بِهَا بَعْضٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمُهْتَدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَالْآيَةُ تُؤْذِنُ بِأَنْ قَدْ وُجِدَتْ كَثْرَةٌ مِنْ أَشْيَاءَ فَاسِدَةٍ خِيفَ أَنْ تَسْتَهْوِيَ مَنْ كَانُوا بِقِلَّةٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الصَّالِحَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْكَثْرَةُ كَثْرَةَ عَدَدٍ فِي النَّاسِ إِذْ مَعْلُومٌ فِي مُتَعَارَفِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ الِاعْتِزَازُ بِالْكَثْرَةِ وَالْإِعْجَابِ بِهَا. قَالَ الْأَعْشَى:
وَلَسْتَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ... وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ
وَقَالَ السَّمَوْأَلُ أَوْ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَارِثِيُّ:
تُعَيِّرُنَا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنَا وَقَدْ تَعَجَّبَ الْعَنْبَرِيُّ إِذْ لَامَ قَوْمَهُ فَقَالَ:
لَكِنَّ قَوْمِيَ وَإِنْ كَانُوا ذَوِي عَدَدٍ ... لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ فِي شَيْءٍ وَإِنْ هَانَا
قَالَ السُّدِّيُّ: كَثْرَةُ الْخَبِيثِ هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَالطَّيِّبُ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ. وَهَذَا الْمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute