الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ لِكُفْرِهِ، فَلِذَلِكَ لَا تَشْمَلُ الْآيَةُ مَنْ آمَنُوا بَعْدَ الْكفْر فَزَالَتْ عداوتهم للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ كَمَا زَالَتْ عَدَاوَةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ حَتَّى قَالَ يَوْمًا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ، وَكَمَا
زَالَتْ عَدَاوَةُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ زَوْجِ أَبِي سُفْيَانَ إِذْ قَالَت للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كَانَ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ وَالْيَوْمَ مَا أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مَنْ أَهْلِ خِبَائِكَ فَقَالَ لَهَا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا
، أَيْ وَسَتَزِيدِينَ حُبًّا.
وَعَنْ مُقَاتِلٍ: أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ كَانَ عدوا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَصَارَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَلِيًّا مُصَافِيًا. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالُوا فَلَا أَحْسَبُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي اكْتِسَابِ الْمَوَدَّةِ بِالْإِحْسَانِ.
وَالْوَلِيُّ: اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَلَايَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَالْوَلَاءِ، وَهُوَ: الْحَلِيفُ وَالنَّاصِرُ، وَهُوَ ضِدُّ الْعَدُوِّ، وَتَقَدَّمَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَالْحَمِيمُ: الْقَرِيبُ وَالصَّدِيقُ. وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ وَلِيٌّ حَمِيمٌ أَنَّهُ جَمْعُ خَصْلَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْعَدَاوَةِ وَهُمَا خَصْلَتَا الْولَايَة والقرابة.
[٣٥]
[سُورَة فصلت (٤١) : آيَة ٣٥]
وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت: ٣٤] ، أَوْ حَالٌ مِنَ (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وَضَمِيرُ يُلَقَّاها عَائِدٌ إِلَى (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِفِعْلِ (ادْفَعْ) ، أَيْ
بِالْمُعَامَلَةِ وَالْمُدَافَعَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَأَمَّا مُطْلَقُ الْحَسَنَةِ فَقَدْ يَحْصُلُ لِغَيْرِ الَّذِينَ صَبَرُوا.
وَهَذَا تَحْرِيضٌ عَلَى الِارْتِيَاضِ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ بِإِظْهَارِ احْتِيَاجِهَا إِلَى قُوَّةِ عَزْمٍ وَشِدَّةِ مِرَاسٍ لِلصَّبْرِ عَلَى تَرْكِ هَوَى النَّفْسِ فِي حُبِّ الِانْتِقَامِ، وَفِي ذَلِكَ تَنْوِيهٌ بِفَضْلِهَا بِأَنَّهَا تُلَازِمُهَا خَصْلَةُ الصَّبْرِ وَهِيَ فِي ذَاتِهَا خَصْلَةٌ حَمِيدَةٌ وَثَوَابُهَا جَزِيلٌ كَمَا عُلِمَ مِنْ عِدَّةِ آيَاتٍ فِي الْقُرْآنِ، وَحَسْبُكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [الْعَصْر: ٢، ٣] .