لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ مَكَانُ الْأَمْنِ الْخَاصِّ بِهِ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مَقَرُّهُ الْأَصْلِيُّ، بِخِلَافِ دَارِ الْجِوَارِ فَإِنَّهَا مَأْمَنٌ عَارِضٌ لَا يُضَافُ إِلَى الْمُجَارِ.
وَجُمْلَةُ: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ لَهُمْ بِالْإِجَارَةِ إِلَى أَنْ يَصِلُوا دِيَارَهُمْ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَيْ: أَمَرْنَا بِذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ، فَالْإِشَارَةُ إِلَى مَضْمُونِ جُمْلَةِ: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ أَيْ لَا تُؤَاخِذْهُمْ فِي مُدَّةِ اسْتِجَارَتِهِمْ بِمَا سَبَقَ مِنْ أَذَاهُمْ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ- وَهَذِهِ مَذَمَّةٌ لَهُمْ بِأَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يُقَامُ لَهُ وَزْنٌ- وَأَوْفِ لَهُمْ بِهِ إِلَى أَنْ يَصِلُوا دِيَارَهُمْ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ الْإِرْشَادِ وَالْهُدَى، فَكَانَ اسْمُ الْإِشَارَةِ أَصْلَحَ طُرُقِ التَّعْرِيفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، جَمْعًا لِلْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ، وَأَوْجَزَهُ.
وَفِي الْكَلَامِ تَنْوِيهٌ بِمَعَالِي أَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَغَضٌّ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الْغَضِّ الْإِشْرَاكُ الَّذِي يُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ، وَلِذَلِكَ جُعِلُوا قَوْمًا لَا يَعْلَمُونَ دُونَ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ: لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ نَفْيَ الْعِلْمِ مُطَّرِدٌ فِيهِمْ، فَيُشِيرُ إِلَى أَنَّ سَبَبَ اطِّرَادِهِ فِيهِمْ هُوَ نَشْأَتُهُ عَنِ الْفِكْرَةِ الْجَامِعَةِ لِأَشْتَاتِهِمْ، وَهِيَ عَقِيدَةُ الْإِشْرَاكِ.
وَالْعِلْمُ، فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بِمَعْنَى الْعَقْلِ وَأَصَالَةِ الرَّأْيِ، وَأَنَّ عَقِيدَةَ الشِّرْكِ مُضَادَّةٌ لِذَلِكَ، أَيْ كَيْفَ يَعْبُدُ ذُو الرَّأْيِ حَجَرًا صَنَعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُغني عَنهُ.
[٧]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٧]
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التَّوْبَة: ١] ثُمَّ عَنْ قَوْلِهِ: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التَّوْبَة: ٣]- وَعَنْ قَوْلِهِ- فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التَّوْبَة: ٥] الَّتِي كَانَتْ تَدَرُّجًا فِي إِبْطَالِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عُهُودٍ سَابِقَةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُثِيرُ سُؤَالًا فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute