إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً.
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلًا لِلرَّدْعِ وَالْإِبْطَالِ، أَيْ لِأَنَّ شِدَّةَ مُعَانَدَتِهِ لِآيَاتِنَا كَانَتْ كُفْرَانًا لِلنِّعْمَةِ فَكَانَتْ سَبَبًا لِقَطْعِهَا عَنْهُ إِذْ قَدْ تَجَاوَزَ حَدَّ الْكُفْرِ إِلَى الْمُنَاوَاةِ وَالْمُعَانَدَةِ فَإِنَّ الْكَافِرَ يَكُونُ مُنْعَمًا عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَاتُرِيدِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ خِلَافًا لِلْأَشْعَرِيِّ، وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ وَيَكُونَ الْوَقْفُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا.
وَالْعَنِيدُ: الشَّدِيدُ الْعِنَادِ وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ لِلصَّوَابِ وَهُوَ فَعِيلٌ مِنْ: عَنَدَ يَعْنِدُ كَضَرَبَ، إِذَا نَازَعَ وَجَادَلَ الْحَقَّ الْبَيِّنَ.
وَعِنَادُهُ: هُوَ مُحَاوَلَتُهُ الطَّعْنَ فِي الْقُرْآنِ وَتُحِيلُهُ لِلتَّمْوِيهِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ، أَوْ شِعْرٌ، أَوْ كَلَامُ
كِهَانَةٍ، مَعَ تَحَقُّقِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا أَعْلَنَ بِهِ لِقُرَيْشٍ، قَبْلَ أَنْ يَلُومَهُ أَبُو جَهْلٍ ثُمَّ أَخَذَهُ بِأَحَدِ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: هُوَ سِحْرٌ، تَشَبُّثًا بِأَنَّ فِيهِ خَصَائِصَ السِّحْرِ مِنَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَمَنْ هُوَ شَدِيد الصِّلَة.
[١٧- ٢٥]
[سُورَة المدثر (٧٤) : الْآيَات ١٧ إِلَى ٢٥]
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١)
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)
جُمْلَةُ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً [المدثر: ١٦] وَبَيْنَ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، قُصِدَ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ تَعْجِيلُ الْوَعِيدِ لَهُ مَسَاءَةً لَهُ وَتَعْجِيلُ الْمَسَرَّةِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً فَهِيَ تَكْمِلَةٌ وَتَبْيِينٌ لَهَا.
وَالْإِرْهَاقُ: الْإِتْعَابُ وَتَحْمِيلُ مَا لَا يُطَاقُ، وَفِعْلُهُ رَهِقَ كَفَرِحَ، قَالَ تَعَالَى: وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً فِي سُورَةِ الْكَهْفِ