وَإِنَّمَا رَسَمُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ بِصُوَرِ الْحُرُوفِ دُونَ أَسْمَائِهَا، أَيْ بِمُسَمَّيَاتِ الْحُرُوفِ الَّتِي يُنْطَقُ بِأَسْمَائِهَا وَلَمْ يَرْسُمُوهَا بِمَا تُقْرَأُ بِهِ أَسْمَاؤُهَا، مُرَاعَاةً لِحَالَةِ التَّهَجِّي (فِيمَا أَحْسَبُ) ، أَنَّهُمْ لَوْ رَسَمُوهَا بِالْحُرُوفِ الَّتِي يُنْطَقُ بِهَا عِنْدَ ذِكْرِ أَسْمَائِهَا خَشُوا أَنْ يَلْتَبِسَ مَجْمُوعُ حُرُوفِ الْأَسْمَاءِ بِكَلِمَاتٍ مِثْلَ (ياسين) ، لَوْ رُسِمَتْ بِأَسْمَاءِ حُرُوفِهَا أَنْ تَلْتَبِسَ بِنِدَاءِ مَنِ اسْمُهُ سِينٌ.
فَعَدَلُوا إِلَى رَسْمِ الْحُرُوفِ عِلْمًا بِأَنَّ الْقَارِئَ فِي الْمُصْحَفِ إِذَا وَجَدَ صُورَةَ الْحَرْفِ نَطَقَ بِاسْمِ تِلْكَ الصُّورَةِ. عَلَى مُعْتَادِهِمْ فِي التَّهَجِّي طَرْدًا لِلرَّسْمِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ.
عَلَى أَنَّ رَسْمَ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ سَنَّهَا كُتَّابُ الْمَصَاحِفِ فَأُقِرَّتْ. وَإِنَّمَا الْعُمْدَةُ فِي النُّطْقِ بِالْقُرْآنِ عَلَى الرِّوَايَةِ وَالتَّلَقِّي، وَمَا جُعِلَتْ كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ إِلَّا تَذْكِرَةً وَعَوْنًا لِلْمُتَلَقِّي.
وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِيمَا هُنَا زِيَادَة عَلَيْهِ.
[٢]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ٢]
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)
ذَكَرْنَا فِي طَالِعَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ أُعْقِبَتْ بِذِكْرِ الْقُرْآنِ أَوِ الْوَحْي أَو مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ التَّهَجِّي، إِبْلَاغًا فِي التَّحَدِّي لِلْعَرَبِ بِالْعَجْزِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ وَتَخْفِيفًا لِلْعِبْءِ عَن النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتِلْكَ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَهِيَ هُنَا مَعْدُودَةٌ آيَةً وَلَمْ تُعَدَّ فِي بَعْضِ السُّوَرِ.
فَقَوْلُهُ: كِتابٌ مُبْتَدَأٌ وَوَقَعَ الِابْتِدَاءُ، بِالنَّكِرَةِ أَمَّا لِأَنَّهَا أُرِيدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute