للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهَا النَّوْعُ لَا الْفَرْدُ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهَا إِبْهَامٌ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: رَجُلٌ جَاءَنِي، أَيْ لَا امْرَأَةَ، وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، وَفَائِدَةُ إِرَادَةِ النَّوْعِ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِنْكَارَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاسْتِبْعَادَهُمْ ذَلِكَ، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كِتَابٌ مِنْ نَوْعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، فَكَمَا نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ وَكِتَابُ مُوسَى كَذَلِكَ نَزَلَ هَذَا الْقُرْآنُ، فَيَكُونُ تَنْكِيرُ النَّوْعِيَّةِ لِدَفْعِ الِاسْتِبْعَادِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا لَا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ [ص: ٢٢] فَالتَّنْكِيرُ لِلنَّوْعِيَّةِ.

وَأَمَّا لِأَنَّ التَّنْكِيرَ أُرِيدَ بِهِ التَّعْظِيمُ كَقَوْلِهِمْ: «شَرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ» أَيْ شَرٌّ عَظِيمٌ. وَقَوْلُ

عُوَيْفِ الْقَوَافِي:

خَبَرٌ أَتَانِي عَنْ عُيَيْنَةَ مُوجِعٌ ... كَادَتْ عَلَيْهِ تَصَدَّعُ الْأَكْبَادُ

أَيْ هُوَ كِتَابٌ عَظِيمٌ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهِ فَصَارَ التَّنْكِيرُ فِي مَعْنَى التَّوْصِيفِ.

وَإِمَّا لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِالتَّنْكِيرِ التَّعْجِيبُ مِنْ شَأْنِ هَذَا الْكِتَابِ فِي جَمِيعِ مَا حُفَّ بِهِ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْإِعْجَازِ وَالْإِرْشَادِ، وَكَوْنُهُ نَازِلًا عَلَى رَجُلٍ أُمِّيٍّ.

وَقَوْلُهُ: أُنْزِلَ إِلَيْكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِ كِتابٌ فَيَكُونَ مُسَوِّغًا ثَانِيًا لِلِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَبَرُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْبَارِ تَذْكِيرُ الْمُنْكِرِينَ والمكابرين، لأنّ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْإِخْبَارِ بِهِ، فَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْرِيضِ بِتَغْلِيطِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُكَابِرِينَ وَالْقَاصِدِينَ إِغَاظَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْإِعْرَاضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ الِامْتِنَانُ وَالتَّذْكِيرُ بِالنِّعْمَةِ، فَيَكُونُ الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلًا فِي الِامْتِنَانِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ الْمُرَكَّبِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْخَبَرُ هُوَ قَوْلُهُ: أُنْزِلَ إِلَيْكَ مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهِ مِنَ