وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ مَا كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ [سُورَة الْأَنْعَام: ٢٧، ٢٨] ، أَيْ فَلَا يُصَرِّحُونَ بِهِ.
ولَوْ فِي لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّمَنِّي لِأَنَّ أَصْلَهَا الشَّرْطِيَّةُ إِذْ هِيَ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ، فَهِيَ مُنَاسِبَةٌ لِمَعْنَى التَّمَنِّي الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْأَمْرِ الْمُمْتَنَعِ الْحُصُولِ، فَإِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمَنِّي اسْتُعْمِلَتْ فِي ذَلِكَ كَأَنَّهَا عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ يَقُولُهُ الْمُتَمَنِّي، وَلَمَّا حُذِفَ فِعْلُ الْقَوْلِ عَدَلَ فِي حِكَايَةِ الْمَقُولِ إِلَى حِكَايَتِهِ بِالْمَعْنَى. فَأَصْلُ لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ
لَوْ كُنَّا مُسْلِمِينَ.
وَالْتُزِمَ حَذْفُ جَوَابِ لَوْ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ ثُمَّ شَاعَ حَذْفُ الْقَوْلِ، فَأَفَادَتْ لَوْ مَعْنَى الْمَصْدَرِيَّةِ فَصَارَ الْمَعْنَى: يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا كَوْنَهُمْ مُسْلِمِينَ، وَلِذَلِكَ عَدُّوهَا مِنْ حُرُوفِ الْمَصْدَرِيَّةِ وَإِنَّمَا الْمَصْدَرُ مَعْنًى عَارِضٌ فِي الْكَلَامِ وَلَيْسَ مدلولها بِالْوَضْعِ.
[٣]
[سُورَة الْحجر (١٥) : آيَة ٣]
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)
لَمَّا دَلَّتْ (رُبَّ) عَلَى التَّقْلِيلِ اقْتَضَتْ أَنَّ اسْتِمْرَارَهُمْ عَلَى غُلَوَائِهِمْ هُوَ أَكْثَرُ حَالِهِمْ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَمَّا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الْإِسْلَامُ مِنَ الْكَمَالِ النَّفْسِيِّ، فَبِإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ رَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِحَيَاةِ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّذَّاتِ الْجَسَدِيَّةِ، فَخُوطِبَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُعَرَّضُ لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ أَنَّ حَيَاتَهُمْ حَيَاةُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. وَذَلِكَ مِمَّا يَتَعَيَّرُونَ بِهِ فِي مَجَارِي أَقْوَالِهِمْ كَمَا فِي قَوْلِ الْحُطَيْئَةِ:
دَعِ الْمَكَارِمَ لَا تَنْهَضْ لِبُغْيَتِهَا ... وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الكاسي
وهم منغسمون فِيمَا يَتَعَيَّرُونَ بِهِ فِي أَعْمَالِهِمْ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [سُورَة مُحَمَّد: ١٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute