وَيَصِحُّ اعْتِبَارُ حَذْفِ يَاءِ النَّسَبِ لِلتَّخْفِيفِ. وَأَصْلُهُ: الْأَعْجَمِيِّينَ كَمَا فِي الشِّعْرِ الْمَنْسُوبِ إِلَى أَبِي طَالِبٍ:
وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِحَالَهُمْ ... بِمَلْقَى السُّيُولِ بَيْنَ سَافٍ وَنَائِلِ
أَيِ الْأَشْعَرِيُّونَ، وَعَلَى هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ يُحْمَلُ قَول النَّابِغَة:
فعودا لَهُ غَسَّانُ يَرْجُونَ أَوْبَهُ ... وَتُرْكٌ وَرَهْطُ الأعجمين وكابل
[٢٠٠- ٢٠٣]
[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ٢٠٠ إِلَى ٢٠٣]
كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣)
تَقَدَّمَ نَظِيرُ أَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [١٢] ، إِلَّا أَنَّ آيَةَ الْحِجْرِ قِيلَ فِيهَا:
كَذلِكَ نَسْلُكُهُ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ قِيلَ سَلَكْناهُ، وَالْمَعْنَى فِي الْآيَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، فَوَجْهُ اخْتِيَارِ الْمُضَارِعِ فِي آيَةِ الْحِجْرِ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى التَّجَدُّدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ
الْمَقْصُودَ إِبْلَاغٌ مَضَى وَهُوَ الَّذِي أُبْلِغَ لِشِيَعِ الْأَوَّلِينَ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمْ فَيُتَوَهَّمُ أَنَّهُمُ الْمُرَادُ بِالْمُجْرِمِينَ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. وَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا ذِكْرٌ لِغَيْرِ كَفَّارِ قُرَيْشٍ فَنَاسَبَهَا حِكَايَةُ وُقُوعِ هَذَا الْإِبْلَاغِ مُنْذُ زَمَنٍ مَضَى. وَهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ.
وَجُمْلَةُ: كَذلِكَ سَلَكْناهُ إِلَخْ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ إِنْ سَأَلْتَ عَنِ اسْتِمْرَارِ تَكْذِيبِهِمْ بِالْقُرْآنِ فِي حِينِ أَنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَلَا تَعْجَبْ فَكَذَلِكَ السُّلُوكُ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ فَهُوَ تَشْبِيهٌ لِلسُّلُوكِ الْمَأْخُوذِ مِنْ سَلَكْناهُ بِنَفْسِهِ لِغَرَابَتِهِ. وَهَذَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٤٣] ، أَيْ هُوَ سُلُوكٌ لَا يُشْبِهُهُ سُلُوكٌ وَهُوَ أَنَّهُ دَخَلَ قُلُوبَهُمْ بِإِبَانَتِهِ وَعَرَفُوا دَلَائِلَ صِدْقِهِ مِنْ أَخْبَارِ عُلَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ.
وَمَعْنَى: سَلَكْناهُ أَدْخَلْنَاهُ، قَالَ الْأَعْشَى:
كَمَا سَلَكَ السَّكِّيَّ فِي الْبَابِ فَيْتَقُ