وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَجَرِيُّ التُّونِسِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْأَشْمُونِيِّ لِلْأَلْفِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ «زَوَاهِرُ الْكَوَاكِبِ» عَنْ كِتَابِ «الْبُرْهَانُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ» هَذَا الِاسْمُ سُمِّيَ بِهِ كِتَابَانِ أَحَدُهُمَا لِكَمَالِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ وَالثَّانِي: لِابْنِ أَبِي الْأُصْبُعِ أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لِمَ أُكِّدَ الْفِعْلُ بِاللَّامِ فِي الزَّرْعِ وَلَمْ يُؤَكَّدْ، فِي الْمَاءِ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ الزَّرْعَ وَنَبَاتَهُ وَجَفَافَهُ بَعْدَ النَّضَارَةِ حَتَّى يَعُودَ حُطَامًا مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الزَّارِعِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ سَقْيِ الْمَاءِ، وَجَفَافُهُ مِنْ عَدَمِ السَّقْيِ، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى جَعْلِهِ حُطَامًا فِي حَالِ نُمُوِّهِ لَوْ شَاءَ، وَإِنْزَالُ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ مِمَّا لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ لِأَحَدٍ قُدْرَةً عَلَيْهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى اه.
وَحَذْفُ هَذِهِ اللَّامِ قَلِيلٌ إِلَّا إِذَا وَقَعَتْ لَوْ وَشَرطهَا صلَة لموصول فَيَكْثُرُ حَذْفُ هَذِهِ اللَّامِ لِلطُّولِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي «التَّسْهِيلِ» وَتَبِعَهُ الرَّضِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ [النِّسَاء: ٩] وَإِنْ قَالَ الْمُرَادِيُّ وَالدَّمَامِينِيُّ فِي «شَرْحَيْهِمَا» : إِنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ، قَالَ الرَّضِيُّ: وَكَذَلِكَ إِذَا طَالَ الشَّرْطُ بِذِيُولِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [لُقْمَان: ٢٧] ، أَيْ وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَحَذْفُ اللَّامِ قَلِيلٌ وَلَكِنَّهُ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا هَذِهِ الْآيَةُ. وَلِلْفَخْرِ كَلَامٌ فِي ضَابِطِ حَذْفِ هَذِهِ اللَّامِ، لَيْسَ لَهُ تَمام.
[٧١، ٧٢]
[سُورَة الْوَاقِعَة (٥٦) : الْآيَات ٧١ إِلَى ٧٢]
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢)
هُوَ مِثْلُ سَابِقِهِ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ.
وَمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ الْمَاءِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ النَّارِ هِيَ مَا تَقَدَّمَ فِي مُنَاسَبَةِ الِانْتِقَالِ إِلَى خَلْقِ الْمَاءِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، فَإِنَّ النَّارَ تَخْرُجُ مِنَ الشَّجَرِ بِالِاقْتِدَاحِ وَتُذَكَّى بِالشَّجَرِ فِي الِاشْتِعَالِ والالتهاب.
وَهَذَا اسْتِدْلَال عَلَى تَقْرِيبِ كَيْفِيَّةِ الْإِحْيَاءِ لِلْبَعْثِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الِاقْتِدَاحَ إِخْرَاجٌ وَالزَّنْدُ الَّذِي بِهِ إِيقَادُ النَّارِ يَخْرُجُ مِنْ أَعْوَادِ الِاقْتِدَاحِ وَهِيَ مَيِّتَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute