وَقَوْلُهُ: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ تَكْرِيرٌ لِلْجُمْلَةِ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهَا، أُعِيدَتِ الْجُمْلَةُ تَمْهِيدًا لِذِكْرِ الْحَالِ. وَقَدْ يَقَعُ التَّكْرِيرُ مَعَ الْعَطْفِ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْقُيُودِ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْمُغَايَرَةُ مُصَحِّحَةً الْعَطْفَ، كَقَوْلِ مُرَّةَ بْنِ عَدَّاءٍ الْفَقْعَسِيِّ:
فَهَلَّا أَعَدُّونِي لِمِثْلِي تَفَاقَدُوا ... إِذَا الْخَصْمُ أَبْزَى مَائِلُ الرَّأْسِ أَنْكَبُ
وَهَلَّا أَعَدُّونِي لِمِثْلِي تَفَاقَدُوا ... وَفِي الأَرْض مبثوث شُجَاعٌ وَعَقْرَبُ
فَالْخُرُورُ الْمَحْكِيُّ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الْخُرُورُ الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا خَرُّوا خُرُورًا وَاحِدًا سَاجِدِينَ بَاكِينَ، فَذُكِرَ مَرَّتَيْنِ اهْتِمَامًا بِمَا صَحِبَهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْخُشُوعِ.
وَذَكَرَ يَبْكُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ.
وَالْبُكَاءُ بُكَاءُ فَرَحٍ وَبَهْجَةٍ. وَالْبُكَاءُ: يَحْصُلُ مِنِ انفعال باطني ناشىء عَنْ حُزْنٍ أَوْ عَنْ خَوْفٍ أَوْ عَنْ شَوْقٍ.
وَيَزِيدُهُمُ الْقُرْآنُ خُشُوعًا عَلَى خُشُوعِهِمُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ مِنْ سَمَاعِ كِتَابِهِمْ.
وَمِنَ السُّنَّةِ سُجُودُ الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ لَهُ بِقَصْدِ هَذِهِ الْآيَةِ اقْتِدَاءً بِأُولَئِكَ السَّاجِدِينَ بِحَيْثُ لَا يَذْكُرُ الْمُسْلِمُ سُجُودَ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ إِلَّا وَهُوَ يرى نَفسه أَجْدَرَ بِالسُّجُودِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ.
[١١٠]
[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ١١٠]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى لَا شَكَّ أَنَّ لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ سَبَبًا خَاصًّا إِذْ لَا مُوجِبَ لِذِكْرِ هَذَا التَّخْيِيرِ بَيْنَ دُعَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بِاسْمِهِ الْعَلَمِ وَبَيْنَ دُعَائِهِ بِصفة الرحمان خَاصَّةً دُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute