للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكْرِ غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ مِثْلِ: الرَّحِيمِ أَوِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصِّفَاتِ الْحُسْنَى.

ثُمَّ لَا بُدَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ طَلَبِ الْمُنَاسَبَةِ لِوُقُوعِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ السُّورَةِ.

فَأَمَّا سَبَبُ نُزُولِهَا

فَرَوَى الطَّبَرِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا يَدْعُو يَا رحمان يَا رَحِيمُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَدْعُو وَاحِدًا وَهُوَ يَدْعُو مَثْنَى مَثْنَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى. وَعَلَيْهِ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي الدُّعَاءِ بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ وَبَين صفة الرحمان اكْتِفَاءً، أَيْ أَوِ الرَّحِيمِ.

وَفِي «الْكَشَّافِ» : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ أَبُو جهل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا الله يَا رحمان.

فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّهُ يَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ إِلَهَيْنِ وَهُوَ يَدْعُو إِلَهًا آخَرَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ

. وَهَذَا أَنْسَبُ بِالْآيَةِ لِاقْتِصَارِهَا عَلَى اسْمِ الله وَصفَة الرحمان.

وَأَمَّا مَوْقِعُهَا هُنَا فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ نُزُولِهَا حَدَثَ حِينَ نُزُولِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَالْكَلَامُ رَدٌّ وَتَعْلِيمٌ بِأَنَّ تَعَدُّدَ الْأَسْمَاءِ لَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْمُسَمَّى، وَشَتَّانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ آلِهَةً مُخْتَلِفَةَ الْأَسْمَاءِ وَالْمُسَمَّيَاتِ، وَالتَّوْحِيدُ وَالْإِشْرَاكُ يَتَعَلَّقَانِ بِالذَّوَاتِ لَا بِالْأَسْمَاءِ.

وَ (أَيٌّ) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ فِي الْأَصْلِ، فَإِذَا اقْتَرَنَتْ بِهَا (مَا) الزَّائِدَةُ أَفَادَتِ الشَّرْطَ كَمَا تُفِيدُهُ كَيْفَ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهَا (مَا) الزَّائِدَةُ. وَلِذَلِكَ جُزِمَ الْفِعْلُ بَعْدَهَا وَهُوَ تَدْعُوا شَرْطًا، وَجِيءَ لَهَا بِجَوَابٍ مُقْتَرِنٍ بِالْفَاءِ، وَهُوَ فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.