للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خِلَافٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، مَنَعَ ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَأَجَازَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٌ. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْجُمْلَةَ الْحَالِيَّةَ تَسْتَغْنِي بِالضَّمِيرِ عَنِ الْوَاوِ وَبِالْوَاوِ عَنِ الضَّمِيرِ فَإِذَا كَانَتْ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ لِصَاحِبِهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى ضَمِيرِهِ أَوْ ضَمِيرِ سَبَبِيِّهِ فَاسْتَغْنَتْ عَنِ الْوَاوِ نَحْوُ الْآيَةِ وَنَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ يَدُهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ أَبُوهُ يُرَافِقُهُ، وَإِلَّا وَجَبَتِ الْوَاوُ إِذْ لَا رَابِطَ حِينَئِذٍ غَيْرُهَا نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ وَقَوْلُ تَأَبَّطَ شَرًّا:

فَخَالَطَ سَهْلَ الْأَرْضِ لَمْ يَكْدَحِ الصَّفَا ... بِهِ كَدْحَةٌ وَالْمَوْتُ خَزْيَانُ يَنْظُرُ

وَقَوْلُهُ: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ضَمِيرُهُ رَاجِعٌ إِلَى مَا رَجَعَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ اهْبِطُوا عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا. وَالْحِينُ الْوَقْتُ وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ انْقِرَاضِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ وَالشَّيْطَانِيِّ بِانْقِرَاضِ الْعَالَمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ ضَمِيرِ لَكُمْ التَّوْزِيعَ أَيْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَتَاعًا لِأَنَّ الْحَيَاةَ أَمْرٌ مَرْغُوبٌ لِسَائِرِ الْبَشَرِ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَخْلُو مِنْ لَذَّاتٍ وَتَمَتُّعٍ بِمَا وَهَبَنَا اللَّهُ مِنَ الْمُلَائِمَاتِ. هَذَا إِنْ أُرِيدَ بِالْخَبَرِ الْمَجْمُوعِ أَيْ لِجَمِيعِكُمْ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّوْزِيعُ فَالْحِينُ هُوَ وَقْتُ مَوْتِ كُلِّ فَرْدٍ عَلَى حَدِّ قَوْلِكَ لِلْجَيْشِ: هَذِهِ الْأَفْرَاسُ لَكُمْ أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُم فرس.

[٣٧]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٣٧]

فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)

جَاءَ بِالْفَاءِ إِيذَانًا بِمُبَادَرَةِ آدَمَ بِطَلَبِ الْعَفْوِ. وَالتَّلَقِّي اسْتِقْبَالُ إِكْرَامٍ وَمَسَرَّةٍ قَالَ تَعَالَى:

وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٣] وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ صِيغَةُ تَفَعَّلَ مَنْ لَقِيَهُ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى التَّكَلُّفِ لِحُصُولِهِ وَتَطَلُّبِهِ وَإِنَّمَا يُتَكَلَّفُ وَيُتَطَلَّبُ لِقَاءُ الْأَمْرِ الْمَحْبُوبِ بِخِلَافِ لَاقَى فَلَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمُلَاقَى مَحْبُوبًا بَلْ تَقُولُ لَاقَى الْعَدْوَ. وَاللِّقَاءُ الْحُضُورُ نَحْوُ الْغَيْرِ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَفِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً [الْأَنْفَال: ٤٥] الْآيَةَ فَالتَّعْبِيرُ بِتَلَقَّى هُنَا مُؤَذِنٌ بِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَخَذَهَا آدَمُ كَلِمَاتٌ نَافِعَةٌ لَهُ

فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَلِمَاتِ زَجْرٍ وَتَوْبِيخٍ بَلْ كَلِمَاتُ عَفْو ومغفرة ورضى وَهِيَ إِمَّا كَلِمَاتٌ لُقِّنَهَا آدَمُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لِيَقُولَهَا طَالِبًا الْمَغْفِرَةَ وَإِمَّا كَلِمَاتُ إِعْلَامٍ مِنَ اللَّهِ إِيَّاهُ بِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُ بَعْدَ أَنْ أَهْبِطَهُ مِنَ الْجَنَّةِ اكْتِفَاءً بِذَلِكَ فِي الْعُقُوبَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَلِمَاتُ عَفْوٍ عَطْفُ فَتابَ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ إِذْ لَوْ كَانَتْ كَلِمَاتِ تَوْبِيخٍ لَمَا صَحَّ التَّسَبُّبُ.

وَتَلَقِّي آدَمَ لِلْكَلِمَاتِ إِمَّا بِطَرِيقِ الْوَحْيُُِ