للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة هود (١١) : آيَة ٨١]

قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١)

هَذَا كَلَامُ الْمَلَائِكَةِ لِلُوطٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَاشَفُوهُ بِأَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ مُرْسَلُونَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَإِذْ قَدْ كَانُوا فِي صُورَةِ الْبَشَرِ وَكَانُوا حَاضِرِي الْمُجَادَلَةِ حَكَى كَلَامَهُمْ بِمِثْلِ مَا تُحْكَى بِهِ الْمُحَاوَرَاتُ فَجَاءَ قَوْلُهُمْ بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى نَحْوِ مَا حُكِيَ قَوْلُ: لُوطٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَقَوْلُ قَوْمِهِ. وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي كَلَّمُوا بِهِ لُوطًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَحْيٌ أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَى لُوطٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَ بِلُوطٍ تَوَقُّعُ أَذَى ضَيْفِهِ مَبْلَغَ الْجَزَعِ وَنَفَادَ الْحِيلَةِ جَاءَهُ نَصْرُ اللَّهِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ رُسُلِهِ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا [يُوسُف: ١١٠] .

وَابْتَدَأَ الْمَلَائِكَةُ خِطَابَهُمْ لُوطًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالتَّعْرِيفِ بِأَنْفُسِهِمْ لِتَعْجِيلِ الطُّمَأْنِينَةِ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ عَلِمَ أَنَّهُمْ مَا نَزَلُوا إِلَّا لِإِظْهَارِ الْحَقِّ. قَالَ تَعَالَى: مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ [الْحجر: ٨] . ثُمَّ أَلْحَقُوا هَذَا التَّعْرِيفَ بِالْبِشَارَةِ بِقَوْلِهِمْ: لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ. وَجِيءَ بِحَرْفِ تَأْكِيدِ النَّفْيِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ خَاطَبُوهُ بِمَا يُزِيلُ الشَّكَّ مِنْ نَفْسِهِ. وَقَدْ صَرَفَ اللَّهُ الْكُفَّارَ عَنْ لُوطٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَرَجَعُوا مِنْ حَيْثُ أَتَوْا، وَلَوْ أَزَالَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ التَّشَكُّلَ بِالْأَجْسَادِ الْبَشَرِيَّةِ فَأَخْفَاهُمْ عَنْ عُيُونِ الْكُفَّارِ لَحَسِبُوا أَنَّ لُوطًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَخْفَاهُمْ فَكَانُوا يُؤْذُونَ لُوطًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ الْمَلَائِكَةُ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ وَلَمْ يَقُولُوا لَنْ يَنَالُوا، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَعْلَمُوا لُوطًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِأَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ مَا كَانَ يَشُكُّ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَنَالُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُ يَخْشَى سَوْرَتَهُمْ أَنْ يَتَّهِمُوهُ بِأَنَّهُ أَخْفَاهُمْ.

وَوَقَعَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ أَعْمَى أَبْصَارَ الْمُرَاوِدِينَ لُوطًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَنْ