للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَسْتَمِرُّ

عَلَى تَوْبَتِهِ وَلَا يَرْتَدُّ عَلَى عَقِبَيْهِ فَيَكُونُ وَعْدًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّابِتِ إِذَا كَانَ قَدْ تَابَ وَأَيَّدَ تَوْبَتَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مَا لِلْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ مِنْ مَعْنَى التَّأْكِيدِ، أَيْ مَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالَحَا فَإِنَّ تَوْبَتَهُ هِيَ التَّوْبَةُ الْكَامِلَةُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ عَلَى حَدِّ

قَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»

فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التَّحْرِيم: ٨] . وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ احْتِمَالَاتٍ أُخْرَى بَعِيدَةً.

وَالتَّوْكِيدُ بِ (إِنَّ) عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا لِتَحْقِيقِ مَضْمُون الْخَبَر.

[٧٢]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٧٢]

وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢)

أَتْبَعَ خِصَالَ الْمُؤْمِنِينَ الثَّلَاثَ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الْإِيمَانِ بِخِصَالٍ أُخْرَى مِنْ خِصَالِهِمْ هِيَ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ، وَالتَّخَلُّقِ بِفَضَائِلِهِ، وَمُجَانَبَةِ أَحْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ. وَتِلْكَ ثَلَاثُ خِصَالٍ أَوْلَاهَا أَفْصَحَ عَنْهُ قَوْلُهُ هُنَا وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ الْآيَةَ.

وَفِعْلُ (شَهِدَ) يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى (حَضَرَ) وَهُوَ أَصْلُ إِطْلَاقِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [الْبَقَرَة: ١٨٥] ، وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ شَهِدَهُ وَعَلِمَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها [يُوسُف: ٢٦] .

وَالزُّورُ: الْبَاطِلُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الْكَذِبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُمْ لَا يَحْضُرُونَ مَحَاضِرَ الْبَاطِلِ الَّتِي كَانَ يَحْضُرُهَا الْمُشْرِكُونَ وَهِيَ مَجَالِسُ اللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ وَالْغَيْبَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَلِكَ أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ وَأَلْعَابُهُمْ، فَيَكُونُ الزُّورُ مَفْعُولًا بِهِ لِ يَشْهَدُونَ. وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمُقَاطَعَةِ الْمُشْرِكِينَ وَتَجَنُّبِهِمْ. فَأَمَّا شُهُودُ مَوَاطِنِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَذَلِكَ قَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الْفرْقَان: ٦٨] . وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٦٨] وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَيَجُوزُ أَنْ