للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفَائِدَةُ التَّرْدِيدِ فِي هَذَا الشَّرْطِ تَعْمِيمُ الْحَالَيْنِ حَالِ حَيَاة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالِ وَفَاتِهِ.

وَالْمَقْصُودُ: وَقْتُ ذَيْنِكَ الْحَالَيْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَوْقِيتُ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّنَا مُنْتَقِمُونَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا سَوَاءٌ كُنْتَ حَيًّا أَوْ بَعْدَ مَوْتِكَ، أَيْ فَالِانْتِقَامُ مِنْهُمْ مِنْ شَأْنِنَا وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِكَ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ إِعْرَاضِهِمْ عَنْ أَمْرِنَا وَدِينِنَا، وَلَعَلَّهُ لِدَفْعِ استبطاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الْمُسْلِمِينَ تَأْخِيرَ الِانْتِقَامِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَتَرَبَّصُونَ بِالنَّبِيءِ الْمَوْتَ فَيَسْتَرِيحُوا مِنْ دَعْوَتِهِ فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُفْلِتُهُمْ مِنَ الِانْتِقَامِ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِهِ وَقَدْ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلَهُمْ: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطّور: ٣٠] فَفِي هَذَا الْوَعِيدِ إِلْقَاءُ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ لما يسمعونه.

[٤٣]

[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٤٣]

فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣)

لَمَّا هَوَّنَ اللَّهُ على رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُلَاقِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَوَعَدَهُ النَّصْرَ عَلَيْهِمْ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنْ أَمَرَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَى دِينِهِ وَكِتَابِهِ وَأَنْ لَا يَخُورَ عَزْمُهُ فِي الدَّعْوَةِ ضَجَرًا مِنْ تَصَلُّبِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ وَنُفُورِهِمْ مِنَ الْحَقِّ.

وَالِاسْتِمْسَاكُ: شِدَّةُ الْمَسْكِ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ. وَالْأَمْرُ بِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَلَبِ الدَّوَامِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِفِعْلٍ لِمَنْ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ لَا يَكُونُ لِطَلَبِ الْفِعْلِ بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ هُنَا طَلَبُ الثَّبَاتِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَهَذَا كَمَا يُدْعَى لِلْعَزِيزِ الْمُكْرَمِ، فَيُقَالُ: أَعَزَّكَ اللَّهُ وَأَكْرَمَكَ، أَيْ أَدَامَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: أَحْيَاكَ اللَّهُ، أَيْ أَطَالَ حَيَاتَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي تَعْلِيمِ الدُّعَاءِ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الْفَاتِحَة: ٦] .

وَالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ هُوَ الْقُرْآنُ. وَجُمْلَةُ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تَأْيِيدٌ لِطَلَبِ الِاسْتِمْسَاكِ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ وَتَعْلِيلٌ لَهُ.