للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِعَادَةُ وَاتَّقُوا اللَّهَ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فَيَحْصُلُ الرَّبْطُ بَيْنَ التَّعْلِيلِ وَالْمُعَلَّلِ إِذْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فَصْلُ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ. وَإِنَّمَا أُعِيدَ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ فَإِنَّ التَّوْكِيدَ اللَّفْظِيَّ يُؤْتَى بِهِ تَارَةً مَعْطُوفًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى [الْقِيَامَة: ٣٤، ٣٥] وَقَوْلِهِ: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر: ٣- ٤] . وَقَوْلِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ: «وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا» .

وَذَلِكَ أَنَّ فِي الْعَطْفِ إِيهَامَ أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيدُ يُجْعَلُ كَالتَّأْسِيسِ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِالْمُؤَكَّدِ.

فَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ تَعْلِيلٌ لِلْحَثِّ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَمَوْقِعُ إِنَّ فِيهَا مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اتَّقُوا اللَّهَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا مُرَادًا بِهِ التَّقْوَى بِمَعْنَى الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَهِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعَمَلِ وَلِذَلِكَ أَرْدَفَ بِقَوْلِهِ: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَيَكُونُ اتَّقُوا اللَّهَ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا مُرَادًا بِهِ الدَّوَامُ عَلَى التَّقْوَى الْأُولَى، أَيْ وَدُومُوا عَلَى التَّقْوَى عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النِّسَاء: ١٣٦] وَلِذَلِكَ أَرْدَفَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ أَيْ بِمِقْدَارِ اجْتِهَادِكُمْ فِي التَّقْوَى، وَأَرْدَفَ بِقَوْلِهِ: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الْحَشْر: ١٩] أَيْ أَهْمَلُوا التَّقْوَى بَعْدَ أَنْ تَقَلَّدُوهَا كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهُمُ الْمُنَافِقُونَ فَإِنَّهُمْ تَقَلَّدُوا الْإِسْلَامَ وَأَضَاعُوهُ قَالَ تَعَالَى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ [التَّوْبَة: ٦٧] . وَفِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ

إِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً بِدِلَالَتِهَا أَتَمَّ اسْتِقْلَالٍ فَتَجْرِي مَجْرَى الْأَمْثَالِ وَلِتَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ فِي نفس المخاطبين.

[١٩]

[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : آيَة ١٩]

وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩)

بَعْدَ أَنْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِعْدَادِ الْعُدَّةِ لِلْآخِرَةِ أَعْقَبَهُ بِهَذَا النَّهْيِ تَحْذِيرًا عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدِّينِ وَالتَّغَافُلِ عَنِ التَّقْوَى، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الْفُسُوقِ. وَجِيءَ