للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَصَالِحًا لِأَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنْ صَفْوَانٍ أَيْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا مِنْهُ وَحُذِفَ عَائِدُ الصِّلَةِ لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ مَجْرُورٌ بِمَا جُرَّ بِهِ اسْمُ الْمَوْصُولِ. وَمَعْنَى لَا يَقْدِرُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْتَرْجِعُوهُ وَلَا انْتَفَعُوا بِثَوَابِهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَا يُحْسِنُونَ وَضْعَ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا مَوْضِعَهُ، فهم يبذلون مَا لَهُم لِغَيْرِ فَائِدَةٍ تَعُودُ عَلَيْهِم فِي آجلهم، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: اللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.

وَالْمَعْنَى فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَحْصُدُونَ مِنْهُ زَرْعًا كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها [الْكَهْف: ٤٢] .

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ تَذْيِيلٌ وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ وَهَذَا التَّذْيِيلُ مَسُوقٌ لِتَحْذِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تَسَرُّبِ أَحْوَالِ الْكَافِرِينَ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَإِنَّ مِنْ أَحْوَالِهِمُ الْمَنَّ عَلَى مَنْ يُنْفقُونَ وأذاه.

[٢٦٥]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٦٥]

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥)

عُطِفَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ عَلَى مَثَلُ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ، لِزِيَادَةِ بَيَانِ مَا بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ مِنَ الْبَوْنِ وَتَأْكِيدًا لِلثَّنَاءِ عَلَى الْمُنْفِقِينَ بِإِخْلَاصٍ، وَتَفَنُّنًا فِي التَّمْثِيلِ. فَإِنَّهُ قَدْ مَثَّلَهُ فِيمَا سَلَفَ بِحَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ، وَمَثَّلَهُ فِيمَا سَلَفَ تَمْثِيلًا غَيْرَ كَثِيرِ التَّرْكِيبِ لِتَحْصُلَ السُّرْعَةُ بِتَخَيُّلِ مُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ، فَلَمَّا مَثَّلَ حَالَ الْمُنْفِقِ رِئَاءً بِالتَّمْثِيلِ الَّذِي مَضَى أُعِيدَ تَمْثِيلُ حَالِ الْمُنْفِقِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ بِمَا هُوَ أَعْجَبُ فِي حُسْنِ التَّخَيُّلِ فَإِنَّ الْأَمْثَالَ تُبْهِجُ السَّامِعَ كُلَّمَا كَانَتْ أَكْثَرَ تركيبا وضمّنت الهيأة المشبّه بِهَا أَحْوَالًا حَسَنَةً

تُكْسِبُهَا حُسْنًا لِيَسْرِيَ ذَلِكَ التَّحْسِينُ إِلَى الْمُشَبَّهِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَقَاصِدِ التَّشْبِيهِ.