للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَاتِّبَاعُ النَّبِيءِ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ كَانَ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ مِنْ إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالْمُحَاجَّةِ لَهُ وَاتِّبَاعِ مَا تَقْتَضِيهِ الْفِطْرَةُ. وَفِي فُرُوعِهَا مِمَّا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ مِثْلُ الْخِتَانِ وَخِصَالِ الْفطْرَة وَالْإِحْسَان.

[١٢٤]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١٢٤]

إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤)

مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ يُنَادِي عَلَى أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ مَعْنًى يَرْتَبِطُ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَبِمَجِيءِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَسَاسِهَا.

فَلَمَّا نَفَتِ الْآيَةُ قَبْلَ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدًّا عَلَى مَزَاعِمِ الْعَرَبِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، انْتَقَلَ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ إِلَى إِبْطَالِ مَا يُشْبِهُ تِلْكَ الْمَزَاعِمَ. وَهِيَ مَزَاعِمُ الْيَهُودِ أَنَّ مِلَّةَ الْيَهُودِيَّةِ هِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ زَعْمًا ابْتَدَعُوهُ حِينَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ جَحْدًا لِفَضِيلَةٍ فَاتَتْهُمْ، وَهِيَ فَضِيلَةُ بِنَاءِ دِينِهِمْ عَلَى أَوَّلِ دِينٍ لِلْفِطْرَةِ الْكَامِلَةِ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٦٥] .

فَهَذِهِ الْآيَةُ مِثْلُ آيَةِ آلِ عِمْرَانَ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْفِرَقَ الثَّلَاثَ اخْتَلَفُوا فِي إِبْرَاهِيمَ، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ تَدَّعِي أَنَّهَا عَلَى مِلَّتِهِ، إِلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِبْطَالِ مَزَاعِمِ الْمُشْرِكِينَ بِأَعْظَمِ دَلِيلٍ وَهُوَ أَنَّ دِينَهُمُ الْإِشْرَاكَ وَإِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَعَقَّبَ ذَلِكَ