وَحُذِفَ الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ تُؤْمَرُ لِظُهُورِ تَقْدِيرِهِ: أَيْ مَا تُؤْمَرُ بِهِ. وَبَقِيَ الْفِعْلُ كَأَنَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ، وَهَذَا الْحَذْفُ يُسَمَّى بِالْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ:
أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ... فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ
وَصِيغَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: افْعَلْ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِذْنِ. وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: اذْبَحْنِي، إِلَى افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْإِذْنِ وَتَعْلِيلِهِ، أَيْ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَذْبَحَنِي لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ، فَفِيهِ تَصْدِيقُ أَبِيهِ وَامْتِثَالُ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ.
وَجُمْلَةُ سَتَجِدُنِي هِيَ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْجُمَلَ الَّتِي قَبْلَهَا تَمْهِيدٌ لِلْجَوَابِ كَمَا عَلِمْتَ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ حَثَّهُ عَلَى فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَعَدَهُ بِالِامْتِثَالِ لَهُ وَبِأَنَّهُ لَا يَجْزَعُ وَلَا يَهْلَعُ بَلْ يَكُونُ صَابِرًا، وَفِي ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ عِبْءِ مَا عَسَى أَنْ يَعْرِضَ لِأَبِيهِ مِنَ الْحُزْنِ لِكَوْنِهِ يُعَامِلُ وَلَدَهُ بِمَا يَكْرَهُ. وَهَذَا وَعْدٌ قَدْ وَفَّى بِهِ حِينَ أَمْكَنَ أَبَاهُ مِنْ رَقَبَتِهِ، وَهُوَ الْوَعْدُ الَّذِي شَكَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِ: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ [مَرْيَم:
٥٤] ، وَقَدْ قَرَنَ وَعْدَهُ بِ إِنْ شاءَ اللَّهُ اسْتِعَانَةً عَلَى تَحْقِيقِهِ.
وَفِي قَوْلِهِ: مِنَ الصَّابِرِينَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي اتِّصَافِهِ بِالصَّبْرِ مَا لَيْسَ فِي الْوَصْفِ:
بِصَابِرٍ، لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ سَيَجِدُهُ فِي عِدَادِ الَّذِينَ اشْتَهَرُوا بِالصَّبْرِ وَعُرِفُوا بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا وَعَدَ الْخَضِرَ قَالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً [الْكَهْف: ٦٩] لِأَنَّهُ حُمِلَ عَلَى التَّصَبُّرِ إِجَابَةً لمقترح الْخضر.
[١٠٣- ١٠٧]
[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ١٠٣ إِلَى ١٠٧]
فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يَا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)
أَسْلَما اسْتَسْلَمَا. يُقَالُ: سَلَّمَ وَاسْتَسْلَمَ وَأَسْلَمَ بِمَعْنَى: انْقَادَ وَخَضَعَ، وَحُذِفَ الْمُتَعَلِّقُ لِظُهُورِهِ مِنَ السِّيَاقِ، أَيْ أَسْلَمَا لِأَمْرِ اللَّهِ فَاسْتِسْلَامُ إِبْرَاهِيمَ بِالتَّهَيُّؤِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute