[سُورَة ق (٥٠) : الْآيَات ٤١ إِلَى ٤٣]
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣)
لَا مَحَالَةَ أَنَّ جُمْلَةَ اسْتَمِعْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [ق: ٣٩] ، فَالْأَمْرُ بِالِاسْتِمَاعِ مُفَرَّعٌ بِالْفَاءِ الَّتِي فُرِّعَ بِهَا الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقُولُونَ. فَهُوَ لَا حق بتسلية النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكُونُ الْمَسْمُوعُ إِلَّا مِنْ نَوْعِ مَا فِيهِ عِنَايَةٌ بِهِ وَعُقُوبَةٌ لِمُكَذِّبِيهِ.
وَابْتِدَاءُ الْكَلَامِ بِ اسْتَمِعْ يُفِيد توثيقا إِلَى مَا يَرِدُ بَعْدَهُ عَلَى كُلِّ احْتِمَالٍ. وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِمَاعِ حَقِيقَتُهُ: الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ وَالْإِصْغَاءِ.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ ثَلَاثُ طُرُقٍ فِي مَحْمَلِ اسْتَمِعْ، فَالَّذِي نَحَاهُ الْجُمْهُورُ حمل الِاسْتِمَاع على حَقِيقَته وَإِذْ كَانَ الْمَذْكُورُ عَقِبَ فِعْلِ السَّمْعِ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ مَسْمُوعًا لِأَنَّ الْيَوْمَ لَيْسَ مِمَّا يُسْمَعُ تَعَيَّنَ تَقْدِيرُ مَفْعُولٍ لِ اسْتَمِعْ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الَّذِي بَعْدَهُ فَيُقَدَّرُ: اسْتَمِعْ نِدَاءَ الْمُنَادِي، أَوِ اسْتَمِعْ خَبَرَهُمْ، أَوِ اسْتَمِعِ الصَّيْحَةَ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ فِعْلَ اسْتَمِعْ مُنْزَلًا مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، أَيْ كُنْ سَامِعًا وَيَتَوَجَّهُ عَلَى تَفْسِيرِهِ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْأَمْرِ بِالِاسْتِمَاعِ تَخْيِيلًا لِصَيْحَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي صُورَةِ الْحَاصِلِ بِحَيْثُ يُؤْمَرُ الْمُخَاطَبُ بِالْإِصْغَاءِ إِلَيْهَا فِي الْحَالِ كَقَوْلِ مَالِكِ بْنِ الرَّيْبِ:
دَعَانِي الْهَوَى مِنْ أَهْلِ وُدِّي وَجِيرَتِي ... بِذِي الطَّبَسَيْنِ فَالْتَفَتُّ وَرَائِيَا
وَنَحَا ابْنُ عَطِيَّةَ حَمْلَ اسْتَمِعْ عَلَى الْمَجَازِ، أَيِ انْتَظِرْ. قَالَ: «لِأَن مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يَسْتَمِعَ فِي يَوْمِ النِّدَاءِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِيهِ يَسْتَمِعُ وَإِنَّمَا الْآيَةُ فِي مَعْنَى الْوَعِيدِ لِلْكُفَّارِ فَقيل لمُحَمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَسَّسْ هَذَا الْيَوْمَ وَارْتَقِبْهُ فَإِنَّ فِيهِ تَبِينُ صِحَّةُ مَا قُلْتَهُ» اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَمِثْلُهُ فِي «تَفْسِيرِ الْفَخْرِ» وَفِي «تَفْسِيرِ النَّسَفِيِّ» . وَلَعَلَّهُمَا اطَّلَعَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا مُتَأَخِّرَانِ عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ وهما وَإِن كَانَا مَشْرِقِيَّيْنِ فَإِنَّ الْكُتُبَ تُنْقَلُ بَيْنَ الْأَقْطَارِ.
ولَلزَّمَخْشَرِيِّ طَرِيقَةٌ أُخْرَى فَقَالَ «يَعْنِي: وَاسْتَمِعْ لِمَا أَخْبَرَكَ بِهِ مِنْ حَالِ يَوْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute